بَابُ اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَمَا يُقَالُ عِنْدَ دُخُولِهَا
1521 - (عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَدْ أُذِنَ لَمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ بِمَا فِيهِ حَالَ حَيَاتِهِ قَدْ يَكُونُ لِقَصْدِ زَجْرِهِ وَرَدْعِهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ أَوْ لِقَصْدِ تَحْذِيرِ النَّاسِ مِنْهُ وَتَنْفِيرِهِمْ وَبَعْدَ مَوْتِهِ قَدْ أَفْضَى إلَى مَا قَدَّمَ فَلَا سَوَاءَ، وَقَدْ عَمِلَتْ عَائِشَةُ رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ مِنْ اسْتَحَقَّ عِنْدَهَا اللَّعْنَ فَكَانَتْ تَلْعَنُهُ وَهُوَ حَيٌّ، فَلَمَّا مَاتَ تَرَكَتْ ذَلِكَ وَنَهَتْ عَنْ لَعْنِهِ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ عَنْهَا عُمَرُ بْنَ شَبَّةَ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخِرَ وَصَحَّحَهُ، وَالْمُتَحَرِّي لِدِينِهِ فِي اشْتِغَالِهِ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ نَشْرِ مَثَالِبِ الْأَمْوَاتِ، وَسَبِّ مَنْ لَا يَدْرِي كَيْفَ حَالُهُ عِنْدَ بَارِئِ الْبَرِّيَّاتِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَمْزِيقَ عِرْضِ مَنْ قَدَّمَ عَلَى مَا قَدَّمَ وَجَثَا بَيْنَ يَدَيْ مَنْ هُوَ بِمَا تُكِنُّهُ الضَّمَائِرُ أَعْلَمُ مَعَ عَدَمِ مَا يَحْمِلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جُرْحٍ أَوْ نَحْوِهِ أُحْمُوقَةٌ لَا تَقَعُ لِمُتَيَقِّظٍ وَلَا يُصَابُ بِمِثْلِهَا مُتَدَيِّنٌ بِمَذْهَبٍ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِالْحَسَنَاتِ وَيَتَضَاعَفُ عِنْدَ وَبِيلِ عِقَابِهَا الْحَسَرَاتُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا تَفَلُّتَاتِ اللِّسَانِ وَالْقَلَمِ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْهِضَابِ، وَجَنِّبْنَا عَنْ سُلُوكِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ الَّتِي هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مَهَالِكُ ذَوِي الْأَلْبَابِ
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا) أَيْ وَصَلُوا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَالرَّبْطُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ مِنْ مُقْتَضِيَاتِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ قَوْلُهُ: (فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ) أَيْ فَيَتَسَبَّبُ عَنْ سَبِّهِمْ أَذِيَّةُ الْأَحْيَاءِ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ، وَلَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى جَوَازِ سَبِّ الْأَمْوَاتِ عِنْدَ عَدَمِ تَأَذِّي الْأَحْيَاءِ كَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ أَوْ كَانُوا وَلَكِنْ لَا يَبْلُغُهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَّ الْأَمْوَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِكَوْنِهِ مِنْ الْغِيبَةِ الَّتِي وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِتَحْرِيمِهَا، فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِأَذِيَّةِ الْأَحْيَاءِ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا مِنْ جِهَتَيْنِ وَإِلَّا كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ جِهَةٍ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ أَمْوَاتِكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ» وَفِي إسْنَادِهِ عِمْرَانُ بْنُ أَنَسٍ الْمَكِّيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ: حَدِيثُهُ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ لَا تَقَعُوا فِيهِ» وَقَدْ سَكَتَ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ