تَرْتِيبِ فُقَهَاءِ أَهْلِ زَمَانِنَا لِتَسْهُلَ عَلَى مُبْتَغِيهَا، وَتَرْجَمْت لَهَا أَبْوَابًا بِبَعْضِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلصَّوَابِ وَيَعْصِمَنَا مِنْ كُلِّ خَطَأٍ وَزَلَلٍ إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ) قَوْلُهُ: (لِأَحْمَدَ مَعَ الْبُخَارِيِّ. . . إلَخْ) الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ هُوَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ دُونِ اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ جَعَلَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَأَحْمَدُ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَخْرُجْ) هُوَ مِنْ الْخُرُوجِ لَا مِنْ التَّخْرِيجِ أَيْ إنَّهُ اقْتَصَرَ فِي كِتَابِهِ هَذَا عَلَى الْعَزْوِ إلَى الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ فَيَرْوِي عَنْ غَيْرِهِمْ كالدارقطني وَالْبَيْهَقِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَالْأَثْرَمِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مِنْ دُونِ بَحْثٍ؛ لِأَنَّهُمَا الْتَزَمَا الصِّحَّةَ وَتَلَقَّتْ مَا فِيهِمَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ النَّظَرِيَّ وَاقِعٌ بِمَا أَسْنَدَاهُ؛ لِأَنَّ ظَنَّ الْمَعْصُومِ لَا يُخْطِئُ وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيَّ، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ يُوسُفَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَعَنْ السَّلَفِ وَعَنْ جَمَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْأَشَاعِرَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَخَالَفَ ابْنَ الصَّلَاحِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ فَقَالُوا: يُفِيدُ الظَّنَّ مَا لَمْ يَتَوَاتَرْ وَنَحْوَ ذَلِكَ حَكَى زَيْنُ الدِّينِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ: وَقَدْ اسْتَثْنَى ابْنُ الصَّلَاحِ أَحْرُفًا يَسِيرَةً تَكَلَّمَ عَلَيْهَا بَعْضُ أَهْلِ النَّقْدِ كالدارقطني وَغَيْرِهِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ وَهَكَذَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا صَحَّحَهُ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ مِمَّا كَانَ خَارِجًا عَنْ الصَّحِيحَيْنِ، وَكَذَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا كَانَ فِي الْمُصَنَّفَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِجَمْعِ الصَّحِيحِ، كَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ وَالْمُسْتَخْرَجَات عَلَى الصَّحِيحَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفِينَ لَهَا قَدْ حَكَمُوا بِصِحَّةِ كُلِّ مَا فِيهَا حُكْمًا عَامًّا، وَهَكَذَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا صَرَّحَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ بِحُسْنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي الْجَوَازِ إلَّا الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْآحَادِ وَقَبُولِهَا شَامِلَةٌ لَهُ.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ فِي كِتَابِي هَذَا مِنْ حَدِيثٍ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ وَمَا لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ، وَبَعْضُهَا أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ. قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرْت فِيهِ الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَمَا يُقَارِبُهُ. قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ: إنَّهُ أَجَازَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحُفَّاظِ الْعَمَلَ بِمَا سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد لِأَجْلِ هَذَا الْكَلَامِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ وَأَمْثَالِهِ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي بَعْضِهَا أَمْرٌ يَقْدَحُ فِي الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ وَجَبَ