شعبان سنة إحدى أو ثلاث عشرة وثمانمائة، وكان والده إذ ذاك حاجبا بها وشادّا على القمامة قبل أن يلي النيابة بها، ومرضت والدته فأرضعته أمّ الشيخ برهان الدين بن الديريّ (?)، قاضي القضاة، وهي زوج شيخ الإسلام قاضي القضاة الشمس بن الديري (?)، وما علمت هل هي أمّ شيخنا شيخ الإسلام السعد بن الديريّ، أم لا. فإنّ الوالد كان يقول بأنه أخ للبرهان المذكور من الرضاع.

ومن غريب ما وقع في أمر حمل والدته به أنها كانت تلد الإناث، وما ولدت ذكرا قبله، فصارت تتمنّى الذكر، فاتفق أن حملت به فخرجت من القدس إلى مدينة جرون حيث مدفن سيّدنا الخليل - على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام - فدخلت إلى حرمه ليلا، ثم كشفت عن بطنها، وأمسّته سردا به، ونذرت شيئا وافرا من المال أن يكون صدقة لفقراء حرمه إن ولدت ما في بطنها ذكرا، وأن تسمّيه الخليل، فلما وضعته كان ذكرا بإذن الله تعالى، فسمّته الخليل، ثم وفت بما نذرته، ثم ألبسته في أذنه خرصا من ذهب بلؤلؤة، ذكرت أنها شرتها بخمسين دينارا ذهبا، ونذرت بعد عليها إن أكمل ولدها سبع سنين أن تلقي هذه الجوهرة في صندوق النذر لسيّدنا الخليل - على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام -. وترعرع هو ونشأ بالقدس، وحفظ به القرآن العظيم.

وكان ذكيّا، حذقا، فهما، فطنا، حادّ الذهن، كيّسا، ثم أخذ في الاشتغال، فبحث «القدوري» (?) على بعض أهل العلم بالقدس، وتعانى الطلب وحبّب إليه (?).

وبعد موت والده «شاهين» اتصل «بخدمة أزبك الأشقر (?) الدوادار الكبير، وكان عنده في مقام الوالد لا الخدّام لكونه ولد خشداشه، وجعله شادّا على الأحواش السلطانية ومتكلّما على الصيّادين، وقرّبه واختصّ به لحذقه وذكائه وكماله من حالة صغره، ودام إلى أن أخرج أزبك المذكور إلى القدس بطّالا، فانجمع الوالد عن الناس، وداوم الاشتغال بالعلم والمطالعة، وأخذ عن جماعة من كبار العلماء، وجالس العلاّمة العلاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015