وفيه وقعت الوحشة بين الأتابك طشتمر وبين الأميرين برقوق وبركة، وأخذ برقوق في التّعنّت على طشتمر ليكون ذلك سببا لإثارة فتنة، وطشتمر ساكن مائل إلى عدم الفتن، قاصد الإخماد فيها، والأمر يزيد حتى كانت ليلة عرفة، فثارت فتنة، ولم يتحرّك فيها طشتمر.
ولما أصبح يوم عرفة خرج طشتمر من داره وفي عنقه منديل، ودخل على برقوق فقبض عليه وعلى آخرين بعده، وبعث به إلى سجن الإسكندرية. واستقرّ برقوق عوضه أتابكا في يوم الإثنين ثالث عشره، وقرّر عوضه في الأمير أخورية أيتمش البجاسي.
ودام سكنى برقوق بالإصطبل ولم ينزل منه، وتقاسم الأمر هو وبركة، وصار إليهما أمور الدولة بأسرها، وصارت الوظيفة جليلها وحقيرها لا تؤخذ إلاّ بالمال. ومن حينئذ ظهرت البراطيل والرشى على الوظائف حتى الدينية. وتطاول الأندال، بل والأوباش السفلة إلى ما سنح لهم من الولايات الجليلة والأعمال / 232 / والرتب العليّة والمناصب.
قال بعض علماء التاريخ: قد بقي للناس من ذلك داهية دهياء أوجبت خراب مصر والشام أشهر (?).
وفي هذه الأيام صار الناس، لا سيما العوامّ يقولون: «برقوق وبركة، ضربا على الدنيا شبكة».
وفي خامس عشره قبض برقوق على يلبغا الناصري غدرا به، فلما بعث إليه يسأله أن يحضر عنده ليأخذ رأيه في شيء يحتاله، فلما أمر حضر عنده وتحقّق من شأنه قبض عليه وقيّده في الحال، وأخرجه إلى سجن الإسكندرية، وقرّر عوضه في إمرة سلاح إينال اليوسفيّ (?).