إن كل إنسان يعود في ساعة الخطر مؤمناً، لأن الإيمان مستقر في كل نفس؛ عندما تغرق السفينة وتبقى وحدك على لوح من الخشب بين السماء والماء لا تجد ما تصنع إلا أن تنادي: «يا الله»! وعندما تضلّ في الصحراء المقفرة ويحرق العطش جوفك، وترى الموت من كل مكان لا تجد ما تصنع إلا أن تنادي: «يا الله»! وعندما يُزمِن المرض ويشرف المريض وينفض الأيدي الأطباءُ لا تجد ما تصنع إلا أن تنادي: «يا الله»! وعندما تتعاقب سنوات القحط ويمتدّ انقطاع المطر وتغور الآبار وتشحّ العيون لا تجد ما تصنع إلا أن تنادي: «يا الله»!
هنالك لا يبقى إلا الله، وهنالك ينسى الملحدُ إلحادَه والماديّ ماديتَه ويقول الجميع: يا الله!
ولكن لا تنتظروا ساعة الخطر لترجعوا إلى الله، فقد جاء في الحديث أن مَن دعا الله في الرخاء يستجيب له في الشدة. وإن على الداعي أن يدعو وهو واثق من الإجابة، فإن الله إن لم يعطِه ما سأل أعطاه غيره، والمرء لا يعرف مصلحته وقد يدعو بما فيه مضرّته، كالولد الذي يرى الدواء فيقول لأبيه: أريد منه. فالأب لمعرفته بمصلحته ورحمةً به لا يعطيه ما يضره. والله أرحم بعباده من الأب بولده، لأن الأب إذا سبّه ولده أو أساء إليه قطع عنه رِفْدَه وأعرض عنه، والبشر يسبّون الدين ويكفرون بالله وهو يطعمهم ويسقيهم ويعطيهم كل خير. فإذا دعوتم ولم تجدوا الإجابة فلا تيأسوا؛ فإن الله أعرف بما يصلحكم.
* * *