لا، بل اتخذوا الأسباب كلها واعملوا ما استطعتم، ولكن اعلموا أن الأسباب لا تخلق النتيجة؛ فقد تُحضر لمريضك مَهَرة الأطباء وتشتري غالي الدواء فلا يشفى، ويشفى مريضٌ مثله بلا عناية ولا علاج. وتُعِدّ لأولادك أطيبَ الطعام فلا يهضمونه ولا يستفيدون منه، ويصحّ أولاد الفقراء وهم لا يأكلون إلا الخبز والبصل. وقد تفتح الدكانَ وتعد فيها أجود الأشياء وتبيع بأرخص الأسعار وتتخذ لذلك ألوان الدعاية والإعلان، فلا تربح إلا ألفاً، ويقع جارك على صفقة عارضة فيربح منها عشرة آلاف بلا دعاية ولا إعلان.
ذلك أن وراء الأسباب إرادةً عليا تصرّف هذا الكون، هي إرادة الله؛ فأنت حين تدعو الله تقول: يا الله، أنا عملت ما عليّ ولكن النفع والضرر بيدك وحدك، أنت إن شئت تجعل الدواء شافياً، وأنت تجعل إن شئت الطعام نافعاً، وأنت الرازق وأنت النافع، فاكتب لي النجاح وأجب السؤال.
فالأسباب لا تُنكَر، ولكن الدعاء هو أقوى الأسباب.
فإذا وصل الداعي إلى منزلة الاضطرار ويئس من الأسباب، وقنط من الخلق وعلق أمله بالله وحده، فإن الله يستجيب له كما استجاب لهذه الأسرة الأميركية. قال تعالى: {أمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَرْضِ؟ أإلهٌ مَعَ الله؟ قَليلاً ما تَذَكّرون}. يجيب المضطرَّ ولو كان كافراً، فلقد كان المشركون إذا ركبوا البحر وغَشِيهم موجٌ كالظُّلَل يدعون الله دعوة المضطر فيستجيب الله دعاءهم وهم مشركون، بل إن إبليس نفسه