لما أهوى المسلمون الأولون بجباههم إلى الأرض، حيث تطأ النعال خضوعاً لله، جعل الله رؤوس الجبّارين تنحني خضوعاً لهم وتيجانَ الحكام تتهاوى على نعالهم، وجعلهم بالإسلام سادة الدنيا وأساتذتها. إن الله أعز العرب بالإسلام، فإن ابتغوا العزة بغيره ذلّوا.
الإسلام الذي تخطى كتابُه فوارق الألوان والألسن والبلدان، الإسلام الذي يقسم الناس إلى قسمين فقط: الذين آمنوا، والذين كفروا. لم يقسمهم إلى عرب وعجم، ولا إلى أغنياء وفقراء، ولا إلى سادة وعبيد، ولا إلى برجوازيين وبروليتاريين؛ فكان الفضل عنده بالتقوى وحدها، أي بالمزية الشخصية التي يستطيع مَن شاء اكتسابها، على حين يتفاضل الناس بالأحساب والأنساب والمناصب والأموال.
ولئن كان من ندعوهم بالمتمدنين يثيرون اليوم مشكلة الأجناس أو يتمسك فريق منهم بفوارق الألوان، فلقد جاء الإسلام بعبد أسود وهو بلال الحبشي فجعله وزير الدعاية لأول حكومة إسلامية. وهل المؤذّن إلاّ وزير الدعاية يعلن مبادئ الإسلام كل يوم خمس مرات؟ فقضى بذلك على فوارق الألوان. وعمد محمد عليه الصلاة والسلام إلى الرجل الفارسي، فلم يكفِه أن جعله من السادة بعد أن كان عبداً مملوكاً حتى أصدر قراراً ضمّه به إلى بيت النبوة، فقال: «سلمان منا أهلَ البيت»، فقضى بذلك على فوارق الجنسيات.
* * *