بهم الرياح، رياح الصحراء الكبرى ولا تحركهم، فكأنهم آلة ضخمة في معمل كبير!
* * *
ذكرت هذا الوصف وأنا قائم من عشرين يوماً في آخر جمعة من رمضان على سطح الرّواق الجديد للحرم المكي، أرى صفوف المصلين تحفّ بالكعبة، تتحرك كلها بحركة الإمام، فكأنها -كما قال الكاتب الفرنسي- آلة ضخمة يحركها الإمام. وقد حركت يوماً الدنيا كلها.
لقد وقف رجال القافلة التي صحبها الكاتب صفاً واحداً رآه الكاتب متعجباً فوصفه معجباً، وأنا أرى هذه الصفوف في الحرم وهي تتعاقب دوائر من حول الكعبة تتسع وتكبر كلما نأت عنها، حتى ملأت الحرم كله وبلغت جدرانه، ثم تجاوزته إلى بيوت مكة وشعابها، ثم إلى الجبال والبوادي من حولها، ثم تتسع حتى تبلغ أطراف الجزيرة، ثم تتسع حتى تَطيف بالأرض جميعاً.
دوائر وسط دوائر وصفوف وراء صفوف مركزها البيت الحرام، لا تمنعها الجبال ولا البحار ولا الصحارى ولا القفار أن تتوجه إلى هذه البيت من كل مكان، حتى تطيف به من كل جانب، من الشرق والغرب والشمال والجنوب. من الصحراء الكبرى وأقصى المغرب إلى قلب إفريقيا، إلى أقاصي جزر أندونيسيا، إلى الثلوج المتراكمة على قمم جبال الأفغان وتركستان، إلى كل أرض يُتلى فيها القرآن ويُصدَح فيها بالأذان.