فيتخذ خير المركبات ويبتغي أطايب الزاد ويصحب خير الرفاق، ولكن للمسافر وراء ذلك كله غايةً من سفره، والحياة سفر. فإلى أين المسير؟
قلت: لا أدري. قالت: أعوذ بالله! وهل يتميز الإنسان من الحيوان إلا بأنه يدرك غاية الحياة؟ أمّا مَن يأكل كما تأكل الأنعام ويشرب كما تشرب ويلد كما تلد، فهو مثلها أو أضلّ منها سبيلاً، وإن عاش في باريس أو نيويورك! قلت: فخبريني أنت ما هي الغاية؟
قالت: لو سألتَ الجَنين في بطن أمه -وكان قادراً على الفهم والإجابة- ما هي دنياك وما هي حياتك وما غاية الحياة، لقال لك إن دنياه هذه الأحشاء الضيقة وهذه الظلمة المستمرة، وإن حياته هذه الجلسة المتعِبة وهذا السكون الدائم، وإن غايته ... ليس يدري ما غايته! ولو أفهمتَ هذا الجنين أن هنا دنيا واسعة فيها شمس وقمر وفضاء رحب وبحر وسماء، وأن غايته أن يبلغها وأنه سيعرفها ويراها حقاً، لو أفهمته هذا لكذّبك وأعرض عنك، لأنه لا يستطيع أن يتخيل إلا ما هو فيه ولا يقدر أن يتصور ماذا يكون البحر والشمس والقمر. فإذا جاء إلى الدنيا وصار رجلاً نسي حياته الأولى وكذّب بها وقال: إنْ هي إلا دنيا فيها نموت ونحيا. فإذا خبّره الرسول أن هناك حياة أخرى، حياة ثالثة، وأنها هي دار البقاء، وأن فيها ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سمعت ولا خَطرَ على قلب بشر، وأن غايته بلوغ تلك الحياة في طاعة الله وعبادته، إذا خُبِّر بهذا كذّب به كما كذّب ذلك الجنينُ. أفتكذب أنت بذلك؟ قلت: لا.