«من عرف نفسه فقد عرف ربه»، وقال الله جلّ مِن قائل: {وَفي أَنْفُسِكُم أَفَلا تُبْصِرون؟}.
نظرت في نفسي فإذا هي قد كانت قبل أن أكون أنا، فلم أعرف أولها، وكل ما أعلم عنها أني أفقت يوماً من النوم فوجدت طفلاً، أبصرته في المرآة فإذا أنا أحبه أكثر من أبي وأمي، وإذا أنا لا أفارقه أبداً، فسألت: من هذا؟ فضحكوا وقالوا: هذا أنت، هل أنت مجنون؟!
وكبر هذا الطفل، أو هذا الذي سمّوه «أنا». ونظرت فإذا أنا لا أدري من أين جاء، فقلت لعلي صنعته أنا وأنا لا أعلم! ولكن هذا الأنا ليس كما أريد أن يكون، لو صنعته أنا لجعلته أبرع جمالاً وأشد قوة وأحدّ ذكاء وأوسع عقلاً. ثم إنه قد وُجد قبل أن أكون أنا وقبل أن أعرفه، وعاش مرحلة في حياته في بقعة لا أعلم شيئاً عنها ولا أصدّق أني كنت فيها. أأنا عشت تسعة أشهر في بطن أمي؟ مستحيل!
فمن أين جاء إذن، هل خُلق من غير شيء؟
ونظرت حولي أفتّش عن هذا الخالق، فرأيت ناساً مثلي، وما هؤلاء بخالقين لأنهم يحتاجون إلى مَن يخلقهم وحالهم كحالي. ورأيت جبالاً وبحاراً وكواكب، ولكن ذلك كله جامد لا حياة فيه، فهل يمنحني الحياة وهو لا يملكها؟ هذه هي الطبيعة فهل تخلق الطبيعة شيئاً؟ ثم إن معنى «الطبيعة» -كما تعلمتُ بَعدُ- أنها «مَطبوعة»، فأين الطابِع؟
فتّشت عنه فإذا الإيمان به في أعماق نفسي، لا أدري من