أخذناها منهم وطبّقناها على الإسلام، مع اختلاف معنى كلمة «الدين» عندنا وعندهم. الدين عند النصارى -كما جاء في أكبر المعاجم، كدائرة المعارف البريطانية ومعجم لاروس الكبير- هو ما يحدد صلة العبد بالله؛ أي أن الدين عندهم قاصر على الكنيسة ولا علاقة له بالحياة ونظمها ومعاملاتها، وذلك ما يقابل عندنا «باب العبادات».
ولكن الإسلام ليس ديناً فقط لأنه لا يقتصر على العبادات، ويكفي أن تمدوا أيديكم إلى كتاب من كتب الفقه وتنظروا في أبوابه لتروا أن فيه باب العبادات (وهذا هو الدين بعرف النصارى) وباب المعاملات (وهو ما يسمى بالقانون المدني) وباب الزواج والطلاق (وهو ما يسمى بقانون الأحوال الشخصية) وباب السِّيَر أو الجهاد (وهو ما يعرف بالحقوق الدولية) وباب الإمامة العظمى (وهو ما يسمى بالحقوق الدستورية) وباب الحدود (وهو القانون الجنائي أو الجزائي) وباب الوصايا والمواريث وباب الآداب.
فالإسلام دين، وقانون مدني، وقانون جزائي، ودستور وقانون دولي، وأخلاق وتوجيه وآداب.
فإذا قالوا بفصل الدين عن السياسة وأخذنا بهذا القول كان معناه أن لا ندخل باب العبادات في السياسة. والعبادات لا دخل لها في السياسة ولا دخل للسياسة فيها، ولكن ماذا نصنع إذا كانت السياسة نفسها جزءاً من ديننا؟ لا أعني بالسياسة النزاع الحزبي ولا التزاحم على كرسي الوزارة ولا السباق إلى مقاعد النيابة، بل أعني المبادئ السياسية والخطوط العريضة فيها.