نور وهدايه (صفحة 183)

فلنطبق هذا المبدأ الصحيح على سؤاله الذي يطلب مني جواباً عقلياً عليه ليقنع به مناظريه الذين لا يؤمنون بالقرآن إذا ناظرهم به، ولننظر ما مدى طاقة العقل الذي نصل به إلى الجواب كما نصل بالسيارة إلى نهاية السباق. هل طاقته مطلقة أم هي محدودة؟ وإن كانت محدودة فما حدّها؟

ثم لننظر إلى ثقافة مناظريه هؤلاء، هل لهم دراسات ومعارف فلسفية تؤهّلهم لخوض هذا البحر أم هم يناظرون من غير هذه المعارف؟ فإن كانوا مطّلعين على مذاهب الفلاسفة أو قرؤوا على الأقل كتابَي أكبر فيلسوف عقلاني (راسْيونالِسْت) في العصر الحديث، عمانويل كانط، وهما «نقد العقل المجرد» و «نقد العقل العلمي»، أو لو نظروا إلى مباحث علماء الكلام وفلاسفة الإسلام، لا سيما كتاب «شرح المواقف» للسيد (أو لو رجعوا على أدنى الدرجات إلى كتابي «تعريف عام بدين الإسلام») إذن لرأوا أن من المقرَّر الذي لم يبقَ فيه شك أن حكم العقل قاصر على عالم المادة (أي الفيزيك)، فإن وصل إلى حدود ما وراء المادة (الميتافيزيك) ضلّ وعجز ولم يبقَ له عمل أصلاً. لذلك كان العلم (أقصد ما يقال له «سيانْس») مشاهَدة، ثم فَرَضية أو نظرية، فتجرِبة، فالوصول إلى الحقيقة العلمية، أي القانون الطبيعي. فإن جاوز ذلك وقف وصار العمل من هنا للفلسفة، ومعروف أن بحوث الفلسفة فيما وراء المادة -من عهد أفلاطون إلى عهد هنري برجسون- لم تَنْجَلِ يوماً عن حقيقة علمية، أي قانون كقوانين الكيمياء أو الفيزياء، وإنما هي افتراضات واحتمالات.

فالجواب العقلي إذن على سؤال من عالم الميتافيزيك، فضلاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015