نور وهدايه (صفحة 116)

كان يجتمع على المصعد الجاوي والليبي والتركي والهندي والشامي والمصري، فأين هم الآن؟

لمّا جئت السنةَ الماضية إلى المملكة ركبت من بيروت، وكان معي أخي ناجي، فقعدنا في المقصف (البوفيه) نأكل شيئاً قبل السفر ونشرب الشاي. وكان المقصف ممتلئاً بالناس، كراسيّهم مزدحمة يكاد الكرسي يمسّ الكرسي، وكلٌّ يأكل ويشرب كما كنا نشرب ونأكل، فإذا بالمكبّر يخرج منه الصوت: "ركاب الطيارة الهولندية المسافرون إلى جزيرة جاوة"، فيترك ناسٌ طعامَهم وشرابهم ويقومون، ثم ينادي ركابَ الطائرة البريطانية المسافرة إلى لندن فيقوم ناس، ثم ينادي ركابَ الطائرة البلجيكية المسافرة إلى الكونغو وطائرة البان أميركان المسافرة إلى نيويورك ...

فرأيت أن هذا هو مثال الدنيا: ناس يعيشون، يأكلون ويشربون ويجمعون الأموال ويحرصون عليها ويظنون أنهم خالدون، لا يدرون متى يخرج النداء يدعو هذا أو يدعو ذاك، فمَن دُعي ترك كل ما كان فيه وأسرع؛ لا يأخذ معه إلى الطيارة مائدةَ المطعم ولا كرسيّ القهوة، بل يتركها ليأتي غيره فيجلس عليها، لا يأخذ معه إلا حقيبته؛ إن كانت حقيبته معدَّة معلقة حملها وسار، فإن كان عند وصول الطيارة مفرَّقَ الأمتعة لم يجمع أمتعته ولم يُعِدّ حقيبته، اضطرّ أن يدعها ويرحل بغيرها.

فإذا أردتم أن تحملوا معكم من حسناتكم حينما تُدعَون الدعوة التي لا بدّ منها للقاء ربكم فكونوا مستعدين. وكما يجمع المسافر متاعه في الحقيبة ليحملها ويمشي، يستعدّ المرء بالتوبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015