مكث عليه الصلاة والسلام بالمدينة ستة عشر شهرا يستقبل بيت المقدس في صلاته (?) وكان يحب أن تكون قبلته الكعبة ويقلّب وجهه في السماء داعيا الله بذلك. فبينما هو في صلاته إذ أوحى الله إليه بتحويل القبلة إلى الكعبة فتحوّل وتحوّل من وراءه. وكانت هذه الحادثة سببا لافتتان بعض المسلمين الذين ضعفت قلوبهم فارتدّوا على أعقابهم، وقد أكثر اليهود من التنديد على الإسلام بهذا التحويل، وما دروا أنّ لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وفي شعبان من هذه السنة أوجب الله صوم شهر رمضان على الأمة الإسلامية، وكان عليه الصلاة والسلام قبل ذلك يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والصيام من دعائم هذا الدين، والفرائض التي يتمّ بها النظام، فإن الإنسان مجبول على حب نفسه، والسعي فيما يعود عليها بالنفع الخاصّ، تاركا ما وراء ذلك من حاجات الضعفاء والمساكين، فلا بدّ من وازع يزعه لحاجات قوم أقعدتهم قواهم عن إدراك حاجاتهم، ولا أقوى من ذوق قوارص الجوع والعطش، إذ بهما تلين نفسه ويتهذّب خلقه، فيسهل عليه بذل الصدقات.