الأعداء وتبعيدا عن الفرار من الزحف فقال في الموضوع الأول في سورة النساء فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (?) ، وقال في الموضوع الثاني في سورة الأنفال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (?) .
كانت عادة قريش أن تذهب بتجارتها إلى الشام لتبيع وتبتاع، ويسمى الركب السائر بهذه التجارة عيرا، وكان يسير معها لحراستها كثير من أشراف القوم وسراتهم. ولا بدّ لوصولهم إلى الشام من المرور على دار الهجرة، فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يصادر تجارتهم ذاهبة وايبة. ليكون في ذلك عقاب لمشركي مكّة، حتى تضعف قوتهم المالية، فيكون ذلك أدعى لخذلانهم في ميدان القتال، الذي لا بدّ أن يكون. لأنّ قريشا لم تكن لتسكت عمن سفّه أحلامهم، وعاب عبادتهم خصوصا وهم قدوة العرب في الدين.
ففي شهر رمضان أرسل عمه حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين رجلا من المهاجرين، وعقد لهم لواء أبيض حملة أبو مرثد (?) حليف حمزة، ليعترض عيرا لقريش ايبة من الشام، فيها أبو جهل وثلاثمائة من أصحابه المشركين، فسار حمزة حتى وصل ساحل البحر من ناحية العيص (?) فصادف العير هناك، فلمّا تصافّوا للقتال حجز بين الفريقين مجدي بن عمرو الجهني فأطاعوه وانصرفوا، وشكر عليه الصلاة والسلام مجديا على عمله لما كان من قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم.