لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (?) وقال: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (?) .
وقد تضافرت الأخبار على اتّصافه عليه الصلاة والسلام بنهاية هذه الأوصاف، فما من حليم إلّا عرفت منه زلّة، وحفظت عنه هفوة (?) ، ونبيّنا لا يزيد مع كثرة الإيذاء إلّا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلّا حلما. قالت عائشة رضي الله عنها: ما خيّر عليه الصلاة والسلام في أمرين قطّ إلّا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم لنفسه إلّا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها (?) ، ولما فعل به المشركون ما فعلوا في أحد، وطلب منه أن يدعو عليهم قال: «اللهمّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون» (?) . وحسبك في هذا الباب ما فعله مع مشركي قريش الذين اذوه واستهزؤوا به، وأخرجوه من دياره، هو وأصحابه، ثم قاتلوه، وحرّضوا عليه غيرهم من مشركي العرب، حتى تمالأ عليه جمعهم، ثم لمّا فتح الله عليه مكّة ما زاد على أن عفا وصفح، وقال: «ما تقولون: إني فاعل بكم؟» قالوا: خيرا أخ كريم، وابن أخ كريم فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (?) وعن أنس: كنت مع النبي عليه الصلاة والسلام وعليه برد غليظ الحاشية فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عنقه ثم قال: يا محمّد احمل لي على بعيريّ هذين من مال الله عندك (?) ، فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك، فسكت النّبيّ ثم قال: المال مال الله، وأنا عبده، ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي، قال: لا، قال: لم؟ قال:
لأنك لا تكافىء بالسيئة السيئة (?) فضحك عليه الصلاة والسلام، ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير، وعلى الاخر تمر. قالت عائشة: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منتصرا من مظلمة ظلمها قطّ، ما لم تكن حرمة من محارم الله تعالى، وما ضرب