وأحلّت له الغنائم، ولم تحلّ النبي قبله، وفتح عليه في حياته بلاد الحجاز واليمن، وجميع جزيرة العرب، وما دانى ذلك من الشام والعراق، وجلب إليه كثير من أخماسها وجزيتها وصدقاتها، وهاداه (?) جماعة من ملوك الأقاليم، فما استأثر بشيء منه، ولا أمسك منه درهما بل صرفه مصارفه، وأغنى به غيره، وقوّى به المسلمين، وقال: «ما يسرني أنّ لي أحدا ذهبا يبيت عندي منه دينار إلّا دينارا أرصده لديني» (?) وأتته دنانير مرة فقسّمها، وبقيت منها بقية فدفعها لبعض نسائه فلم يأخذه نوم حتى قام وقسمها، وقال: «الان استرحت» ومات ودرعه مرهونة في نفقة عياله (?) . واقتصر في نفقته وملبسه ومسكنه على ما تدعو ضرورته إليه، وزهد فيما سواه، فكان يلبس ما وجده، فيلبس في الغالب الشّملة (?) ، والكساء الخشن، والبرد (?) الغليظ، ويقسم على من حضره أقبية الديباج المخوّصة بالذهب (?) ، ويرفع لمن لم يحضره، فأنت ترى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاز فضيلة المال بالزهد فيه، وإنفاقه على مستحقيه.
وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والاداب الشريفة، وهي المسماة بحسن الخلق، فجميعها قد كانت خلق نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم على الإنتهاء في كمالها، والإعتدال إلى غايتها، حتى أثنى الله تعالى عليه بذلك فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (?) قالت عائشة: كان خلقه القران، يرضى برضاه ويسخط بسخطه (?) .
وقال عليه الصلاة والسلام: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (?) وقال أنس: كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقا. وكانت له هذه الاداب الكريمة كما كانت لإخوانه من الأنبياء جبلّة خلقوا عليها. ثم يتمكن الأمر لهم، وتترادف نفحات الله عليهم، وتشرق أنوار المعارف في قلوبهم، حتى يصلوا الغاية، ويبلغوا