من خلفه كما يرى من بين يديه. وبذلك فسّر قوله تعالى وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (?) وقالت عائشة: كان عليه الصلاة والسلام يرى في الظلمة كما يرى في الضوء (?) ، وكان يعدّ في الثّريا أحد عشر نجما (?) . وجاءت الأخبار أنه صرع ركانة (?) أشدّ أهل وقته، وكان دعاه إلى الإسلام. وقال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أسرع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مشيه كأنما الأرض تطوى له إنا لنجهد أنفسنا وهو غير مكترث (?) وفي صفته عليه الصلاة والسلام أن ضحكه كان تبسما، إذا التفت التفت معا، وإذا مشى مشى تقلّعا (?) كأنما ينحطّ من صبب (?) .
وأما فصاحة اللسان، وبلاغة القول، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم من ذلك بالمحلّ الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، وفصاحة لفظ، وجزالة قول، وصحّة معان، وقلّة تكلّف، أوتي جوامع الكلم، وخصّ ببدائع الحكم، وعلّم ألسنة العرب، يخاطب كل أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن، عن شرح كلامه، وتفسير قوله. من تأمل حديثه وسيره علم ذلك وتحقّقه؛ وليس كلامه مع قريش ككلامه مع أقيال (?) حضرموت، وملوك اليمن، وعظماء نجد، بل يستعمل لكل قبيلة ما استحسنته من الألفاظ، وما انتهجته من طرق البلاغة، ليبيّن للناس ما نزّل إليهم، وليحدّث الناس بما يعلمون.
وأما كلامه المعتاد، وفصاحته المعلومة، وجوامع كلمه، وحكمه المأثورة، فقد ألف الناس فيها الدواوين، وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب، ومنها ما لا يوازى فصاحة ولا يبارى بلاغة. كقوله: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم