احتفالا بقدومه، ومعهم إبل الصدقة، فلمّا نظرهم ظنّهم يريدون حربه لما كان بينه وبينهم من العداوة في الجاهلية، فرجع مسرعا إلى المدينة، وأخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ القوم ارتدوا ومنعوا الزكاة، فأرسل لهم خالد بن الوليد لاستكشاف الخبر، فسار إليهم في عسكر خفية حتى إذا كان بناديهم سمع مؤذنهم يؤذن بالصبح، فأتاهم خالد فلم ير منهم إلّا طاعة، فرجع وأخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل عليه الصلاة والسلام لهم غير الوليد لأخذ الصدقات، وفي الوليد نزل في أوائل الحجرات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (?) .
ثم بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن جمعا من الحبشة راهم أهل جدّة في مراكبهم يريدون الإغارة عليها، فأرسل لهم علقمة بن مجزّر (?) في ثلاثمائة. فذهب حتى وصل جدة، ونزل في المراكب ليدركهم، وكان الأحباش متحصّنين في جزيرة هناك، فلمّا رأوا المسلمين يريدونهم هربوا، ولم يلق المسلمون كيدا، فرجع علقمة بمن معه. ولما كان بالطريق أذن لسرعان القوم أن يتعجلوا، وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي، وكان فيه دعابة (?) ، فأوقد لهم في الطريق نارا، وقال لهم: ألستم مأمورين بطاعتي؟ قالوا: نعم، قال: عزمت عليكم إلّا ما تواثبتم في هذه النار، فقال بعضهم: ما أسلمنا إلّا فرارا من النار، وهمّ بذلك بعضهم فمنعهم عبد الله. وقال: كنت مازحا! فلمّا ذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (?) .