أنا النبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
(?) ثم قال للعباس وكان جهوريّ الصوت: ناد بالأنصار يا عباس، فنادى يا معشر الأنصار، يا أصحاب بيعة الرضوان، فأسمع من في الوادي، وصار الأنصار يقولون: لبّيك لبّيك، ويريد كل واحد منهم أن يلوي عنان بعيره، فيمنعه من ذلك كثرة الأعراب المنهزمين، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، وينزل عن بعيره، ويخلي سبيله ويؤمّ الصوت حتى اجتمع حول رسول الله جمع عظيم منهم. وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنودا لم يروها (?) فكرّ المسلمون على عدوهم يدا واحدة، فانتكث فتل المشركين، وتفرّقوا في كل وجه لا يلوون على شيء من الأموال والنساء والذراري، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فأخذوا النساء والذراري، وأسروا كثيرا من المحاربين، وهرب من هرب، وجرح في هذا اليوم خالد بن الوليد جراحات بالغة، وأسلم ناس كثيرون من مشركي مكّى لما رأوه من عناية الله بالمسلمين.
هذا، والذي حصل في هذه الغزوة درس مهمّ في دروس الحرب، فإن هذا الجيش دخله أخلاط كثيرون من مشركين وأعراب وحديثي عهد بالإسلام، هؤلاء سيّان عندهم نصر الإسلام وخذلانه، ولذلك بادروا لأول صدمة إلى الهزيمة، وكادت تتم الكلمة على المسلمين لولا فضل الله، فلا ينبغي أن يكون في الجيش إلّا من يقاتل خالصا مخلصا من قلبه، ليكون مدافعا حقّا عن دينه، فلا تميل نفسه إلى الفرار خشية ما أعده الله للفارين من أليم العقاب.
ثم أمر عليه الصلاة والسلام بجمع السبي والغنائم، وكانت نحو أربعة وعشرين ألف بعير، وأكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة الاف أوقية من الفضة، فجمع ذلك كله بالجعرانة (?) . أما المشركون فتفرّقوا ثلاث فرق: فرقة لحقت