وقالت طائفة بل تنقصه حقيقة كما تنقص الرزق، فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسباباً كثيرة تكثره وتزيده، وللبركة في العمر أسباباً تكثره وتزيده. ولا يمتنع زيادة العمر بأسباب كما ينقص بأسباب، فالأرزاق والآجال، والصحة والمرض، والغنى والفقر، وإن كانت بقضاء الرب - عز وجل - فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها لمسبباتها مقتضية لها.
وقالت طائفة أخرى: تأثير المعاصي في محق العمر إنما هو بأن حقيقة الحياة هي حياة القلب، وعمر الإنسان مدة حياته، فليس عمره إلا أوقات حياته بالله، فتلك ساعات عمره، فالبر والتقوى والطاعة تزيد في هذه الأوقات التي هي حقيقة عمره، ولا عمر له سواها، فإذا أعرض العبد عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية (?).
47 [9] يرفع الله مهابة العاصي من قلوب الخلق، وهذا من بعض عقوبات المعاصي، فلاشك أنه يهون عليهم، ويستخفون به، كما هان عليه أمره واستخفّ به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يعظّمه الناس، وكيف ينتهك عبد حرمات الله، ويطمع أن لا ينتهك الناس حرماته؟ أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهونه الله على الناس، أم كيف يستخفّ بمعاصي الله ولا يستخفّ به الخلق؟ (?) قال الله - عز وجل -: {وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} (?).