أهمية الموضوع:
إن موضوع هذا الكتاب الذي بين يديك، وهو (نواسخ القرآن)، أو (الناسخ والمنسوخ في القرآن) من أهم الموضوعات وأجلّها قدراً في شريعتنا الغراء، لأن مدار الدين كتاب الله سبحانه وتعالى، فما ثبت فيه محكماً غير منسوخ نفذناه، وعملنا به، وما كان منسوخاً منه لم نعمل به ومعرفة ذلك مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة، وهي في نفس الوقت شاقة جداً لا يستطيع الإنسان الحكم فيها بعقله وتفكيره مهما كان ولا يمكن ذلك إلا بنقل صحيح ثابت عن صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، ولا مجال للعقل أو الاجتهاد فيها، كما لا يجوز للإنسان أن يتصرف في مثل هذا الموضوع الحساس، بآرائه البحتة غير مستند إلى كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو أقوال الصحابة المحكية عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، بسند صحيح ثابت خال من الجرح والعلة.
لذا، كان السلف الصالح يرى معرفة الناسخ والمنسوخ شرطاً في أهلية المفسر للتفسير والمحدث للحديث، وقد كان أمير المؤمنين عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ الله بن عمر، وعبد اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنهم، لا يرضون لأحد أن يتحدث في الدين إلا إذا كان عارفاً بالناسخ والمنسوخ من القرآن1. وقد جاء في الأثر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما بأنه كان