وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى إِطْلاقِهِ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الصَّلاةَ أَنْ يَتَوَضَّأَ سَوَاءً كَانَ مُحْدِثًا أَوْ غَيْرَ مُحْدِثٍ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ سِيرِينَ1.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ هَذَا الْحُكْمُ باقٍ أَمْ نُسِخَ؟
فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ باقٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ منسوخ بالسنة وَهُوَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ2: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ" فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَنَعْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ. فَقَالَ: عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ"3.
وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ لِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ أَنَّ أَخْبَارَ الآحَادِ لا تَجُوزُ أَنْ تَنْسَخَ الْقُرْآنَ4 وَإِنَّمَا يُحْمَلُ فِعْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم هذا على تبيين مَعْنَى الآيَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ: إِذَا قُمْتُمْ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ. وَإِنَّمَا كَانَ يَتَوَضَّأُ لَكُلِّ صَلاةٍ لِطَلَبِ الْفَضِيلَةِ.