وَالثَّالِثُ: إِنَّ الَّذِينَ يُطِيقُونَ الصَّوْمَ وَيَعْجَزُونَ عَنْهُ يَنْقَسِمُونَ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أحدهما: مَنْ يَعْجَزُ لِمَرَضٍ أَوْ لِسَفَرٍ، أَوْ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَيَلْزَمُهُ القضاء من غيركفارة.
وَالثَّانِي: مَنْ يَعْجَزُ لِكِبَرِ السِّنِّ (فهذا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَقَدْ يَجُوزُ الْإِفْطَارُ لِلْعُذْرِ لا للعجز ثم يلزمه القضاء والكفارة) 1، كَمَا نَقُولُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِمُسْتَفَادٍ مِنَ الْآيَةِ إِنَّمَا الْمُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى السُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ. فَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ يكون النسخ أولى بالآية من الإحكام، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي تَمَامِ الْآيَةِ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}.
وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَعُودَ هَذَا الْكَلامُ إِلَى الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ وَلا إِلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَلا إِلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ، لِأَنَّ الْفِطْرَ فِي حَقِّ هَؤُلاءِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ قَدْ نُهُوا أَنْ يُعَرِّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلتَّلَفِ، وَإِنَّمَا عَادَ الْكَلامُ إِلَى الأَصِحَّاءِ الْمُقِيمِينَ خُيِّرُوا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ فَانْكَشَفَ بِمَا أوضحنا أن الآية منسوخة.