الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ التَّشْبِيهَ رَاجِعٌ إِلَى نَفْسِ الصَّوْمِ لا إِلَى صِفَتِهِ وَلا إِلَى عَدَدِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ، أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} لا يَدُلُّ عَلَى عَدَدٍ وَلا صِفَةٍ، وَلا وَقْتٍ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ إِلَى نَفْسِ الصِّيَامِ كَيْفَ وَقَدْ عَقَّبَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} فَتِلْكَ يَقَعُ عَلَى يَسِيرِ الأَيَّامِ وَكَثِيرِهَا.
فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: فِي نَسَقِ التِّلاوَةِ شَهْرُ رَمَضَانَ، بَيَّنَ عَدَدِ الأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَوَقْتَهَا، وَأَمَرَ بِصَوْمِهَا فَكَانَ التَّشْبِيهُ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الصَّوْمِ. وَالْمَعْنَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَصُومُوا كَمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا صِفَةُ الصَّوْمِ وَعَدَدُهُ فَمَعْلُومٌ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ لا مِنْ نَفْسِ الْآيَةِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى1 وَقَدْ أشار إليه السُّدِّيُّ وَالزَّجَّاجُ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى2، وَمَا رَأَيْتُ مُفَسِّرًا يَمِيلُ إِلَى التحقيق إلا