ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} 1.

قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْكَلامَ اقْتَضَى نَوْعَ مُسَاهَلَةٍ لِلْكُفَّارِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلا أَرَى هَذَا الْقَوْلَ صحيحاً، لأربعة أوجه:

أحدها: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: أَتُخَاصِمُونَنَا فِي دِينِ اللَّهِ2 وَكَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، لِأَنَّنَا أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَمِنَّا كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ أَيْ: نَحْنُ كُلُّنَا فِي حُكْمِ الْعُبُودِيَّةِ سَوَاءٌ فَكَيْفَ يَكُونُونَ أَحَقَّ بِهِ؟ {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} أَيْ (لا اخْتِصَاصَ لِأَحَدٍ بِهِ) 3 إِلا مِنْ جِهَةِ الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يُجَازَى كُلٌّ مِنَّا بِعَمَلِهِ. وَلا تَنْفَعُ الدَّعَاوَى وَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ لا وَجْهَ لِلنَّسْخِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَبَرٌ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَعْمَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَيْهَا أَقْرَرْنَاهُمْ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمَنْسُوخَ مَا لا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ، وَحُكْمُ هَذَا الْكَلامِ لا يَتَغَيَّرُ فَإِنَّ كُلَّ عَامِلٍ لَهُ (جَزَاءُ) 4 عَمَلِهِ فَلَوْ وَرَدَ الأَمْرُ بِقِتَالِهِمْ لَمْ يَبْطُلْ تعلق أعمالهم بهم5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015