«إنها لا تحلّ لأحد من بعدي، وإنما أحلّت لي ساعة من نهار» (?).
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:
«إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولا يحلّ إلا ساعة من نهار» (?).
وقد ادّعى بعض من لا علم له أن هذه الآية نسخت بحديث أنس رضي الله عنه:
«أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل مكة وعلى رأسه المغفر، فأمر بقتل ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة» (?).
وهذا باطل من وجهين:
الأول: أن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن (?)، ولو أجزنا نسخه بالسنة لاحتجنا إلى أن نعتبر في نقل ذلك الناسخ ما اعتبرنا في نقل المنسوخ، وطريق الرواية لا يثبت ثبوت القرآن.
والثاني: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد بيّن أنه إنما خصّ بالإباحة في ساعة من نهار، والتخصيص ليس بنسخ، لأن النسخ ما رفع الحكم على الدوام كما كان ثبوت حكم المنسوخ على الدوام، فالحديث دال على التخصيص لا على النسخ. ثم إنما يكون النسخ مع تضاد اجتماع الناسخ والمنسوخ، وقد أمكن الجمع بين ما ادّعوه ناسخا ومنسوخا وصح العمل بهما، فيكون قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وقوله:
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ في غير الحرم، بدليل قوله: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ وكذلك قوله: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي: في غير الحرم، بدليل قوله عقيب ذلك وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ [البقرة: 191]. ولو جاز قتلهم في الحرم لم يحتج إلى ذكر الإخراج، فقد بان مما أوضحنا إحكام الآية، وانتفى النسخ عنها.
: قوله تعالى: فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 192] اختلف المفسرون في المراد بهذا الانتهاء على قولين:
الأول: أنه الانتهاء عن الكفر.