يثبت نسخه، وخطابنا بعد خطابهم قد ثبت النسخ، فتلك الآية أولى أن تكون منسوخة بهذه من هذه بتلك.
الثاني: أن دليل الخطاب عند الفقهاء حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه، وقد ثبت بلفظ الآية أن الحر يوازي الحر فلأن الحر يوازي العبد أولى، ثم إن أول الآية يعم، وهو قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ وإنما الآية نزلت فيمن كان يقتل حرا بعبد وذكرا بأنثى، فأمروا بالنظر في التكافؤ.
[26]- أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب قال: ابنا علي بن الفضل، قال: ابنا محمد بن عبد الصمد، قال: ابنا عبد الله بن أحمد السرخسي، قال: ابنا إبراهيم بن حريم،
قال: ابنا عبد الحميد، قال: ابنا يونس، عن شيبان، عن قتادة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى [البقرة: 178] قال: كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحيّ منهم إذا كان فيه عدد وعدّة، فقتل لهم عبد قتله عبد قوم آخرين. قالوا: لن نقتل به إلا حرا تعززا وتفضلا على غيرهم في أنفسهم. وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأة.
قالوا: لن نقتل بها إلا رجلا، فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، وينهاهم عن البغي، ثم أنزل في سورة المائدة: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ إلى قوله: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ [المائدة: 45].
: قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة: 180] اختلف المفسرون في هذه الوصية، هل كانت واجبة أم لا، على قولين:
الأول: أنها كانت ندبا لا واجبة، وهذا مذهب جماعة منهم الشعبي والنخعي (?)، واستدلوا بقوله: بِالْمَعْرُوفِ، قالوا: المعروف لا يقتضي الإيجاب وبقوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة: 180] والواجب لا يختص به المتقون.
والثاني: أنها كانت فرضا ثم نسخت، وهو قول جمهور المفسرين (?)، واستدلوا بقوله: كُتِبَ وهو بمعنى فرض كقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ