من سَواد النَّار فَلذَلِك قيل كلمة التَّقْوَى لِأَنَّهُ بهَا يَتَّقِي من النَّار فكلمة لَا إِلَه إِلَّا الله أَولهَا نفي الشّرك وَآخِرهَا تعلق بِاللَّه فَلَا يقدر العَبْد أَن يتَعَلَّق بِاللَّه حَتَّى يلْزمه الله وَإِنَّمَا يلْزمه الله بَعْدَمَا يَجْعَل لَهُ إِلَيْهِ سَبِيلا فَإِذا رحم عبدا فتح لَهُ من قلبه الطَّرِيق إِلَيْهِ حَتَّى إِذا صَار الْقلب مَحل التَّوْحِيد فهناك يلْزمه الله نور الْكَلِمَة فيصدر الْقلب عَن الله بتوحيده إِلَى النَّفس حَتَّى تطمئِن النَّفس وتسكن إِلَى ذَلِك وتستقر عَن التَّرَدُّد والجولان فِي طلب معبود سواهُ فيستقر الْقلب وَالنَّفس جَمِيعًا للعبودة لَهُ لما يَأْمر وَينْهى فَصَارَ تعلقهَا جَمِيعًا بِهِ فِي العبودة وَهُوَ قَوْله {فقد استمسك بالعروة الوثقى لَا انفصام لَهَا}
فَهَذِهِ عقدَة الْقلب وطمأنينة النَّفس ثمَّ بعد ذَلِك تمْضِي النَّفس فِي شهواتها حلا وحراما وَهِي مَعَ ذَلِك بِاللَّه مطمئنة أَنه معبوده على إِضْمَار أَنَّهَا تقضي شهواتها وتعود إِلَى مَكَانهَا ثَانِيَة وَأما الْقلب فَهُوَ مُنكر لذَلِك مستمسك بعروته مقهور فِي سُلْطَان النَّفس حَتَّى إِذا أقبل الله على العَبْد بِالرَّحْمَةِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَان التَّوْبَة خمدت نَار الشَّهْوَة وَخرج الْقلب من آثَار النَّفس فالعروة الوثقى هِيَ ذَلِك النُّور الَّذِي ألزم الله قلب العَبْد فَاسْتَمْسك بِهِ وَقَوي لَا انفصام لَهَا فَإِذا انْتهى إِلَى الصِّرَاط صَار ذَلِك النُّور وقاية لَهُ من تَحت قدمه وَصَارَ الضَّوْء أَمَامه يطْرق لَهُ فِي الظلمَة حَتَّى يجوزها
وَقد قُلْنَا بدءا أَن كلمة لَا إِلَه إِلَّا الله أَولهَا نفي الشّرك وَآخِرهَا تعلق بِاللَّه وَإِنَّمَا يتَعَلَّق بِاللَّه إِذا اسْتكْمل التَّقْوَى وَذَلِكَ أَن الشّرك على ضَرْبَيْنِ شرك عبودة وشرك الْأَسْبَاب وَكِلَاهُمَا علاقَة وَهُوَ مُشْتَقّ من الشّرك الَّذِي ينصب فَيتَعَلَّق بِهِ الصَّيْد فَإِنَّمَا ينصب الشّرك ويلقى هُنَاكَ حبوب ينخدع الطَّائِر لِحَاجَتِهِ إِلَيْهَا حَتَّى يَقع فِيهِ فَيتَعَلَّق وَكَذَلِكَ