وَرَأَيْت رجلا من أمتِي يَتَّقِي وهج النَّار وشررها بِيَدِهِ عَن وَجهه فَجَاءَتْهُ صدقته فَصَارَت سترا على وَجهه وظلا على رَأسه
قَالَ أَبُو عبد الله رَحمَه الله فالصدقة إِنَّمَا صَارَت سترا للْمُؤْمِنين من النَّار لِأَنَّهُ إِذا تصدق فَإِنَّمَا يفْدي نَفسه ويفل غَرَامَة جِنَايَته
وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام أَمر قومه بِالصَّدَقَةِ فَضرب لَهَا مثلا فَقَالَ كَمثل رجل قتل قَتِيلا ثمَّ هرب فَسَأَلَهُ أولياؤه أَن يجْعَلُوا دِيَة الْقَتِيل عَلَيْهِ نجوما فَفَعَلُوا لوا فأداها نجما نجما ففك رقبته وَصَارَ إِلَى أَهله مطمئنا فَالنَّار إِنَّمَا تطلب وُجُوه الجفاة فِي الْموقف لتلفحها فَإِذا أدّى الْجَانِي غرمه صَار الْأَدَاء سترا على الْوَجْه وظلا على الرَّأْس وَهَكَذَا شَأْن الْفِدْيَة تَأْخُذ بالحذاء وَمن فَوق فتقيك بِنَفسِهَا من كل نَاحيَة
وَرَأَيْت رجلا من أمتِي قد أَخَذته الزَّبَانِيَة من كل مَكَان فَجَاءَهُ أمره بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيه عَن الْمُنكر فاستنقذاه من أَيْديهم فأدخلاه مَعَ مَلَائِكَة الرَّحْمَة
قَالَ أَبُو عبد الله رَحمَه الله فالزبانية شَرط الْمَلَائِكَة وَالشّرط لمن جاهر بِالْمَعَاصِي من أهل الريب يلتمسونهم فِي الطّرق والمسالك ليأخذوهم فَمن استتر بستر الله وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر فَهُوَ وَإِن اسْتعْمل أَعمال أهل الريب بعد أَن يكون مَسْتُورا لَا ينتهك فَالشَّرْط فِي الدُّنْيَا مُنْتَهُونَ عَن أَخذه غير ملتمسين أشباه هَؤُلَاءِ لحُرْمَة ذَلِك السّتْر فَكَذَلِك فِي الْآخِرَة إِذا طلبت الزَّبَانِيَة فِي عَرصَة الْقِيَامَة أهل المجاهرة بِالْمَعَاصِي فَوَقع هَذَا المستور فِي أَيْديهم نَفعه ذَلِك النَّهْي