كَذَلِك فَجعل قلب الْمُؤمنِينَ خزانَة لكنوز مَعْرفَته وَجعل أَعْلَام الْكُنُوز فِي الصَّدْر مَرْفُوعَة لعين الْفُؤَاد حَتَّى يؤم عين الْفُؤَاد الْعلم الَّذِي رفع لَهُ فِي كل وَقت علم لِأَن الْكُنُوز أَنْوَاع وَلكُل نوع علم فَإِنَّمَا يرفع الْعلم فِي الصَّدْر لعين الْفُؤَاد حَتَّى يتبع الْعلم فالأعلام زِينَة الصَّدْر ومصابيحه فَهَؤُلَاءِ حراس السَّمَاء يَحْرُسُونَ أَخْبَار السَّمَاء حَتَّى لَا يسترق الْعَدو سمع مَا فِي السَّمَاء فَإِذا دنوا للسمع رموا بشهب الْكَوَاكِب وَهَؤُلَاء حراس الخزنة يَحْرُسُونَ كنوز الْمعرفَة حَتَّى لَا يسترق الْعَدو سمع مَا فِي الصَّدْر ترَاءى لعين الْفُؤَاد وتدبير ذَات الصُّدُور فَإِذا هاج الذّكر فَإِنَّمَا يهيج من هَذِه الْأَعْلَام الَّتِي فِي الصَّدْر من تِلْكَ الْكُنُوز الَّتِي فِي الْقلب فاشتعل الْقلب نورا وَلكُل شعلة حريق فَإِن ترَاءى الْعَدو فِي ذَلِك الْوَقْت أحرقته تِلْكَ الشعلة يَرْمِي بشعاعها ويهرب الْعَدو ويتخلص العَبْد فَعلم الْعَدو أَن لله عبادا قد امتحنهم للتقوى واستخلصهم للكرامة واستثناهم فَقَالَ {إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين}
فَإِنَّمَا استخلصهم الله بِالذكر فأصفاهم ذكرا وأطيبهم معدنا للذّكر أقواهم على الْعَدو والعدو أَشد نفارا مِنْهُم
وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان ليفر من حس عمر وَمَا رأى الشَّيْطَان عمر إِلَّا خر لوجهه
وَقَالَ تَعَالَى فِي تَنْزِيله {الوسواس الخناس}
فَإِنَّمَا سَمَّاهُ خناسا لِأَنَّهُ إِذا جَاءَ الذّكر انخنس وَذَهَبت قوته وَإِن تعرض فِي ذَلِك الْوَقْت احْتَرَقَ
وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام