وَإِنَّمَا ذمّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْعُيُون الغافلة عَن الله تَعَالَى فسماها حاسدة فَقَالَ {وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد}
فَإِنَّمَا سمي حَاسِدًا لِأَنَّهُ يحصد الْأَشْيَاء حصدا ويستأصلها بِسوء نظرته العاجزة عَن الله تَعَالَى وَالسِّين وَالصَّاد يعتقبان يُجزئ أَحدهَا عَن الآخر كَقَوْلِك صِرَاط وسراط
فَإِن قَالَ قَائِل فَإِن كَانَ هَذَا النَّاظر بغفلته هُوَ الْجَانِي فَمَا بَال المنظور إِلَيْهِ لحقته الْعقُوبَة قيل لَيْسَ لَهُ ذَا عُقُوبَة وَلَكِن هَذَا تَدْبِير الله تَعَالَى فِي عباده أَلا يرى أَن السَّاحر يسحر بأخذته فيخلص الضَّرَر إِلَى من سحره حَتَّى يعالج
وَكَذَلِكَ فعل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أنزلت عَلَيْهِ المعوذتان فَكَانَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام يقْرَأ كل آيَة وَيحل عقدَة وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد}
فالساحر يعْقد وينفث فَيُؤْخَذ بهَا أَعْضَاء من يَقْصِدهُ بذلك فَكَذَلِك هَذَا يخلص إِلَيْهِ ضَرَر نظرته المشوبة بالإعجاب حَتَّى يَأْخُذهُ
عدنا إِلَى حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ قُلْنَا فَمن اتخذ هَذَا الْفِعْل عِنْدَمَا يأوي إِلَى فرَاشه عَادَة رأى النَّفْع الظَّاهِر فِي جسده وَسَائِر أُمُوره لِأَن النَّفس تعرج إِلَى الله فِي منامها مَعَ الْبركَة وَالطَّهَارَة والنزاهة والتخلص من الشّرك بِقِرَاءَة هَذِه السُّورَة فتسجد تَحت الْعَرْش وَهِي بِهَذِهِ الصّفة قد اغْتَسَلت بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فتنال من حباء الله وكرامته مَا ترجع بِهِ إِلَى الْجَسَد بِالْخَيرِ الْكثير والمزيد الشافي وَإِذا عرجت إِلَى الله تَعَالَى بِغَيْر هَذِه الصّفة سجدت وَهِي خَالِيَة عَن هَذِه الْأَشْيَاء فينال من الحباء والكرامة على قدره