نورها وبركتها وَلَا يقدر على الإيصال إِلَّا بِمثل هَذَا وَذَلِكَ أَن العَبْد إِذا قَرَأَ استنار صَدره بِنور ذَلِك الْكَلَام الَّذِي يتلوه كل قَارِئ على قدره فَإِذا نفث فَإِنَّمَا ينفث من الصَّدْر فالنفث من الرّوح والنفخ من النَّفس
وعلامة ذَلِك أَن الرّوح بَارِد وَالنَّفس حَار وَإِذا قَالَ بف خرجت الرّيح بَارِدَة فَذَاك من برد الرّوح وَإِذا قَالَ هاه خرجت الرّيح حارة فَتلك من النَّفس فَالْأولى نفثة وَهَذِه الثَّانِيَة نفخة وَإِنَّمَا صَار هَكَذَا لِأَن الرّوح مَسْكَنهَا فِي الرَّأْس ثمَّ هِيَ منفث فِي جَمِيع الْجَسَد وَالنَّفس مَسْكَنهَا فِي الْبَطن ثمَّ هِيَ منفشة فِي جَمِيع الْجَسَد وَفِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا حَيَاة بهَا يسْتَعْمل الْجَسَد بالحركات فالروح سماوي وَالنَّفس أرضية وَالروح عَادَتهَا الطَّاعَة وَالنَّفس عَادَتهَا الشَّهَوَات فَإِذا ضم شَفَتَيْه اعتصرت الرّوح فِي مَسْكَنهَا فَإِذا قصد لإرسالها خرجت على شَفَتَيْه مَعَ الْبرد فَذَاك النفث وَإِذا فتح فَاه فاعتصرت النَّفس فَإِذا أرْسلت خرجت ريح حارة وَإِنَّمَا جَاءَ الْخَبَر بالنفث لِأَن الرّوح أسْرع نهوضا إِلَى نور تِلْكَ الْكَلِمَات وأوفر حظا من النَّفس وَالنَّفس ثَقيلَة بطيئة عاجزة فَأدى الرّوح إِلَى الْكَفَّيْنِ بذلك النفث ريحًا قد باشرت أنوار الصَّدْر الَّتِي أنارتها تِلْكَ الْكَلِمَات وأشعلتها بِمَا جَاءَ من الْمَزِيد فَإِن فِي كل كلمة مِنْهَا نورا وَفِي كل حرف من تِلْكَ الْكَلِمَة نورا فَإِذا صَارَت الرّيح إِلَى الْكَفَّيْنِ بالنفث مسح بهما وَجهه وَمَا أقبل من جسده ثمَّ بعد ذَلِك حَيْثُ مَا بلغ من جسده لِأَن الْحق للْوَجْه لِأَن الصُّورَة فِيهِ ثمَّ الْحق من بعد ذَلِك لما أقبل من الْجَسَد لِأَن قبالة الْمُؤمن حَيْثُ مَا كَانَ فَهُوَ لقبالة الله وَكَذَلِكَ قلبه فِي الْبَاطِن فَالْحق لَهُ فِي النفث أَن يبْدَأ بِالْوَجْهِ ثمَّ بِمَا أقبل من جسده وتفاوت النغثات من أَهلهَا على قدر نور قُلُوبهم وعلمهم بِتِلْكَ الْكَلِمَات فَإِذا فعل ذَلِك بجسده عِنْد إيوائه إِلَى فرَاشه كَانَ كمن اغْتسل بِأَطْهَرَ مَاء وأطيبه