وَقَوله انتذر بنذيره فَإِن العَبْد قد شرهت نَفسه من الْفَرح بأحوالها وبسبب نمائها فقطرت فَإِذا جاءها الْوَعيد من الله تَعَالَى ذبلت وَسكن تلظي تِلْكَ الأفراح فتنغصت عَلَيْهِ حلاوتها وتكدر عَلَيْهِ صفو النعم فَظهر فِي صَدره من كدورة دُخان الْوَعيد ومرارة التنغص فتأدى ذَلِك إِلَى الْوَجْه فأورثه العبوس فتجده مرّة ذَا بشر ونضرة وَمرَّة ذَا عبوس وكسوف وَإِذا ورد عَلَيْهِ الْبشر أقرّ وَجهه بذلك النضرة وَظهر الْبشر وَزَالَ عَنهُ الْكُسُوف وَإِذا ورد عَلَيْهِ الْوَعيد انكسف الْقَمَر الَّذِي بِوَجْهِهِ وانعبس فَمن ابتشر ببشير الله وانتذر بنذيره فَإِنَّمَا يفعل ذَلِك بقلب عَامر ومحال أَن تَجِد أَحدهمَا وتفقد الآخر لِأَن ذَلِك فعل الْقلب
قَوْله وَعمل بناسخه وآمن بمنسوخه فالناسخ آيَة قد أَمر الله بِالْعَمَلِ بهَا وَقد كَانَ قبل ذَلِك أَمر بِغَيْر ذَلِك فِي آيَة نزلت قبلهَا والناسخ والمنسوخ بلوى من الله لعَبْدِهِ لينْظر أيعبد الله ظَاهرا وَبَاطنا أم يعبده فِي الظَّاهِر ويعبد هَوَاهُ فِي الْبَاطِن
قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا إِلَّا لنعلم من يتبع الرَّسُول مِمَّن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ}
وَقَالَ تَعَالَى {ولنبلونكم حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ}
مَعْنَاهُ حَتَّى نعلم من يُجَاهد نَفسه فِي ذاتي ويصبر عَمَّا حرمت عَلَيْهِ وعَلى مَا افترضت عَلَيْهِ وعَلى مَا حكمت عَلَيْهِ من الْأَحْوَال الْمَكْرُوهَة مثل الْفقر والذل والبؤس وَالْمَرَض
ثمَّ قَالَ ونبلوا أخباركم أَي أَنْتُم مني مَعَ هَذِه المجاهدة وَالصَّبْر أَعلَى طيب النُّفُوس أم على خبثها وترددها فَإِذا آمن بالمنسوخ وَعمل بالناسخ فَهَذَا عبد منقاد لرَبه قد ألْقى بيدَيْهِ سلما