والمنزلة الثَّالِثَة من الْإِيمَان فهم قوم بلغُوا ذرْوَة الْإِيمَان وَسَماهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذرْوَة لِأَنَّهُ شبه الْإِيمَان بِالْجَبَلِ وَالنَّفس كريشة طياشة تهب بهَا الرّيح فَكلما كَانَ الْجَبَل أثقل كَانَت الريشة أسكن حَتَّى إِذا بلغ العَبْد ذرْوَة الْإِيمَان كَانَ كَأَنَّهُ على قلَّة جبل وَالنَّفس تَحْتَهُ مضغوطة لَا يقدر على التحرك فَلَا يزَال كَذَلِك تَحت أثقال الْمعرفَة حَتَّى تصفو من عصارتها وتسيل مِنْهَا تِلْكَ الفضول وتيبس عَن رُطُوبَة الشَّهَوَات كَمَا يبس الْكسْب الَّذِي قد عصر تَحت الأثقال حَتَّى سَالَ دهنه وَبَقِي ثفله يَابسا فَعِنْدَ ذَلِك تجدها قد مَاتَت شهواتها وخمدت نيرانها خمودا افْتقدَ حرهَا

فَهَذَا الَّذِي قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا أشرف على طمع تَركه لله) وَإِنَّمَا قدر على ذَلِك بِقُوَّة مَا فِيهِ من الْغنى بِاللَّه فالغنى بِاللَّه فِي ذرْوَة الْجَبَل وَهُوَ أَعلَى الْإِيمَان أُولَئِكَ الَّذين يأمنهم الْخلق على دينهم فَتقبل الْقُلُوب مواعظهم وإشارتهم إِلَى الله تَعَالَى لأَنهم يَسِيرُونَ إِلَى الله وَقُلُوبهمْ بَين يَدي نور الْإِيمَان ووقاره فَإِذا نطق أحدهم استنارت الْقُلُوب لنُور مقَالَته وَإِذا شخصت أَبْصَارهم إِلَيْهِ توقرت النُّفُوس لوقاره وهدأت الْأَركان وسكنت مِنْهُم الْأَصْوَات

وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صعدت إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة إِذْ هُوَ بِرَجُل أشمط جَالس على كرْسِي عِنْد بَاب الْجنَّة وَعِنْده قوم جُلُوس بيض الْوُجُوه أَمْثَال الْقَرَاطِيس وَقوم فِي ألوانهم شَيْء فَقَامَ هَؤُلَاءِ الَّذين فِي ألوانهم شَيْء فَدَخَلُوا نَهرا فاغتسلوا فِيهِ فَخَرجُوا وَقد خلص من ألوانهم شَيْء ثمَّ دخلُوا نَهرا آخر فَخَرجُوا وَقد خلصت ألوانهم فَصَارَت مثل ألوان أَصْحَابهم فَقلت يَا جبرئيل من هَذَا الأشمط وَمن هَؤُلَاءِ وَمن هَؤُلَاءِ وَمَا هَذِه الْأَنْهَار الَّتِي دخلوها قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام هَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015