عَطِيَّة هداه الله إِلَيْهِ بالإنابة وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الله يجتبي إِلَيْهِ من يَشَاء وَيهْدِي إِلَيْهِ من ينيب}
والعطية من الرَّحْمَة والهدية من الْمحبَّة فَمن رق لعَبْدِهِ ورحمه إِذا رَآهُ فِي بؤس أَو ضعف قواه وجبره بِمَا يذهب ضعفه وبؤسه فَهَذِهِ عَطِيَّة من الرَّحْمَة وَمن أحب عَبده أهْدى إِلَيْهِ خلعا وحملانا يُرِيد بذلك أَن يختصه ويستميل قلبه وَلذَلِك سميت هَدِيَّة لاستمالة الْقلب بِهِ فالرسل إِلَى الْخلق عطايا من رَبنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَحِمهم فبعثهم إِلَيْهِم ليهديهم وَيذْهب عَنْهُم بؤس فقر الْكفْر وَيجْبر كسيرهم وربنا عز وَجل قد رحمنا فَبعث إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَطِيَّة وهدية فَجعل الْإِيمَان وَالْإِسْلَام فِي الْعَطِيَّة وَحِكْمَة الْإِيمَان وَالْإِسْلَام فِي الْهَدِيَّة وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} إِلَى أَن قَالَ {ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة}
فحكمة الْإِيمَان وَالْإِسْلَام هَدِيَّة لهَذِهِ الْأمة بمبعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة فضلا على الْأُمَم والهدية كنوز الْمعرفَة من خَزَائِن السَّمَوَات احتظى بهَا هَذِه الْأمة حَتَّى صَارُوا موصوفين فِي التَّوْرَاة صفوة الرَّحْمَن وَفِي الْإِنْجِيل حكماء عُلَمَاء أبرارا أتقياء كَأَنَّهُمْ من الْفِقْه أَنْبيَاء وَقَالَ تَعَالَى {قل إِن الْهدى هدى الله} الْآيَة
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا أَعْطَيْت أمة من الْيَقِين مَا أَعْطَيْت أمتِي)
فَإِنَّمَا صير مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنا ليهدينا إِلَى أعالي دَرَجَات الدُّنْيَا عبودة