وَقَوله (إِذا شربتم فمصوا) لِأَن اللهاة تيبس من حرارة الْجوف ولهبان الكبد فتعطش اللهاة فَإِذا مص المَاء كَانَ كثير الْبُرُودَة على اللهاة فيسكن الْعَطش فاستغنى عَن كثرته إِذْ كَثْرَة المَاء تتخم وتحدث دَاء كَثِيرَة فَإِذا مص أسْرع إِلَى تسكين الْعَطش فاستغنى عَن الازدياد وَلِأَنَّهُ أرْفق لمجراه فِي الْعُرُوق
قَالَ (لَا تَعبه عبا فَإِن الكباد من العب)
فَإِنَّهُ إِذا عب أضرّ بالكبد لِأَنَّهُ مجمع الْعُرُوق وَمِنْه تَنْقَسِم فِي الْعُرُوق فَإِذا عبه فِي دفْعَة وَاحِدَة كَانَ بِمَنْزِلَة نهر فتحت مفتحه دفْعَة وَاحِدَة فَدخل المَاء جملَة لم يُؤمن البثق وَالْفساد فَكَذَا إِذا شربه عبا لَا مصا لم تحْتَمل الْعُرُوق وفاضت من الْمعدة إِلَى الْعُرُوق فَرُبمَا كَانَ على الطَّرِيق سدة فِي الْعُرُوق فاحتبس المَاء هُنَاكَ فدوي فَصَارَ خاما وَقَوي البلغم فَحدثت مِنْهُ أدواء فِي النَّفس وأورثت كسلا عَن عبَادَة الله تَعَالَى وفتورا فَمن لَهَا عَن تفقد ذَلِك يُوشك أَن يُؤَدِّيه إِلَى مَا هُوَ أكبر مِنْهُ فَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شفيقا على الْأمة رؤوفا رحِيما أَن يؤديهم إِلَى الله تَعَالَى مَعَ زِينَة الْإِسْلَام وبهاء الْإِيمَان فعلمهم تنَاول الطَّعَام وَالشرَاب وكل شَيْء للنَّفس فِيهِ حق وَقد طهره الله تَعَالَى وأدبه وَأَحْيَا قلبه وَنَفسه فَقبل أدبه وَصَارَ مهذبا وأمرنا بالاتساء بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} وَجعل الإتباع لَهُ عَلامَة محبته فِي قُلُوب الْعباد فَقَالَ {إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} فَأوجب محبته لمن اتبعهُ