قَالَ أَبُو عبد الله من رَحْمَة الله على هَذِه الْأمة وَعطفه عَلَيْهِم أخرهم فِي الأصلاب حَتَّى أخرجهم إِلَى الْأَرْحَام بعد أَن نفدت الدُّنْيَا ثمَّ قصر أعمارهم لِئَلَّا يتلبسوا بالدنيا إِلَّا قَلِيلا وَلَا يتدنسوا فَإِن الْقُرُون الْمَاضِيَة كَانَت أعمارهم وأجسادهم وأرزاقهم على الضعْف كَانَ أحدهم يعمر ألف سنة وجسمه ثَمَانُون باعا بالباع الأول والحبة من الْقَمْح مثل كلوة الْبَقر والرمانة الْوَاحِدَة يجْتَمع عَلَيْهَا عشرَة نفر والعنقود مثله فَكَانُوا مَا يتناولونه من هَذِه الدُّنْيَا بِهَذِهِ الصّفة على مثل تِلْكَ الأجساد فِي مثل تِلْكَ الْأَعْمَار فَمِنْهَا أشروا وبطروا واستكبروا وأعرضوا عَن الله عز وَجل فصب الله عَلَيْهِم سَوط عَذَاب على مَا نطق بِهِ كتاب الله الْعَزِيز ثمَّ لم يزل النَّاس ينقصُونَ فِي الْخلق والخلق وَالْأَجَل والرزق إِلَى أَن صَارَت هَذِه الآمة آخر الْأُمَم حَتَّى يَأْخُذُوا من الدُّنْيَا أرزاقا قَليلَة بأجساد ضَعِيفَة فِي مُدَّة قَصِيرَة حَتَّى لَا يأشروا وَلَا يبطروا فَهَذَا تَدْبِير من الله عز وَجل رَحْمَة لهَذِهِ الْأمة ثمَّ ضوعف لَهُم الْحَسَنَات فَجعلت الْحَسَنَة الْوَاحِدَة بِعشْرَة إِلَى سَبْعمِائة إِلَى مَا لَا يُعلمهُ من التَّضْعِيف إِلَّا الله تَعَالَى وأيدوا بِالْيَقِينِ واعطوا لَيْلَة الْقدر فَجعلت حسناتهم على ثَلَاث منَازِل لأَنهم ثَلَاثَة أَصْنَاف ظَالِمُونَ ومقتصدون وسابقون فالصنف الأول هم أهل تَخْلِيط قوم موحدون لَا يرعوون عَن الْحَرَام وَلَا يحفظون حُدُود الله تَعَالَى {خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} فهم الظَّالِمُونَ فالحسنة مِنْهُم بِعشر أَمْثَالهَا
والصنف الثَّانِي قوم متقون قائمون على الْحُدُود وعَلى سَبِيل الاسْتقَامَة وهم المقتصدون فالحسنة مِنْهُم بسبعمائة لِأَن جوارحهم صَارَت مسبلة لله تَعَالَى قد استقامت على سَبِيل الله تَعَالَى فَإِذا أَنْفقُوا من جوارحهم عملا كَانَ بسبعمائة كَالَّذي ينْفق مَاله فِي سَبِيل الله فَهُوَ