النَّفس ذَات شَهْوَة غالبة فارت بِدُخَان شهوتها فأظلمت الصَّدْر فَصَارَ الصَّدْر مظلما وَجَاءَت النَّفس بهواجسها فاضطربت فَذَلِك سوء ظَنّهَا بِاللَّه تَعَالَى وَالظَّن ظنان ظن عَطاء فَذَاك الَّذِي تَسْتَقِر عَلَيْهِ النَّفس ويطمئن الْقلب ويوفي لَهُ بذلك وَلَا يخيبه
قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَالله الَّذِي لَا إِلَه غَيره مَا أعطي عبد عَطاء خيرا من حسن الظَّن بِاللَّه
وَالظَّن الآخر ظن خالطه تُهْمَة فَلم يطمئن الْقلب فَإِن خيب فَغير مستنكر
وَقَوله أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي أَي أَن الْقلب بيَدي لم أكلهَا إِلَى أحد فَإِذا ظن عَبدِي بِي حسنا حققت لَهُ ذَلِك وَلم أخيبه وَإِذا ظن بِي سَيِّئًا وكلته إِلَى سيئ مَا ظن وتخليت عَنهُ لِأَنِّي أَعْطيته من النُّور فِي الْقلب مَا يُؤَدِّي إِلَى الصَّدْر وَفِي الصَّدْر مَا يضيء فيتصور لَهُ مَا يُؤَدِّي الْقلب إِلَيْهِ وَضاع ذَلِك الضَّوْء لقُوَّة مَا أَتَت بِهِ النَّفس من دُخان شهواتها وتقوية الشَّهَوَات من العَبْد فَعُوقِبَ عَلَيْهِ وَنسب إِلَيْهِ بِتَرْكِهِ تعاهد الْقلب حَتَّى استولت النَّفس عَلَيْهِ فألهته عَن ذكر الله
وَقَوله فليظن بِي مَا شَاءَ أَي يجدني قَرِيبا وفيا بِمَا أمل وَرَجا وَإِنَّمَا يحسن ظَنّه من انْفَرد لَهُ بَين يَدَيْهِ وَأعْرض عَن نَفسه وَرفع عَنهُ بالها فانكشف لَهُ الغطاء عَن رأفته وَرَحمته فاستقر قلبه وَمن كَانَ صَاحب شهوات واشتغال بِنَفسِهِ فَلَو انْكَشَفَ لَهُ الغطاء عَن رأفته وَرَحمته لأفسد أمره وضيع حُدُوده وَركب شهواته واجترأ فَستر عَنهُ حَتَّى يكون فِي مَخَافَة وحذر وَلِهَذَا كَانَت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لما سكنت شهواتهم وَمَاتَتْ نُفُوسهم وحييت بِاللَّه تَعَالَى قُلُوبهم بشروا بالنجاة فَلم تَضُرهُمْ الْبُشْرَى بل زادهم ألها أَي شكرا