وَقد عجزت الْعَامَّة من هَذَا لما يرَوْنَ الْأَشْيَاء بالأسباب وتعلقت بذلك قُلُوبهم وَمِنْهَا افتتنوا حَتَّى عصوا الله فِي جنبه فمحال أَن لَا يكون للشَّيْء قدر عِنْدهم إِلَّا أَن الله تَعَالَى عصم طَائِفَة مِنْهُم لخوف الْعقَاب عَن تنَاول حرامها وأوساخها

ثمَّ هم مَعَ ذَلِك لَهَا يغضبون وَلها يرضون وَبهَا يفرحون وَمن أجلهَا يَحْزَنُونَ وَعظم قدر مَا فِي أَيْديهم من الحطام حَتَّى لَا تسخوا نفس أحدهم أَن يخرج من يَده فلسًا إِلَّا على ذكر الْخلف من الله تَعَالَى فِي دُنْيَاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه أَو على ذكر الثَّوَاب فِي الْآخِرَة أَن يُعْطِيهِ قصورا وحورا وحبورا وسرورا وَلَا تسخو نُفُوسهم على إتعاب جوارحهم وأعمالهم لله تَعَالَى فِي شَيْء من أَعمال الْبر إِلَّا على نوال الثَّوَاب غَدا وَلم ينْتَهوا عَن محارم الله تَعَالَى إِلَّا على خوف الْعقَاب ركضا

فَهَؤُلَاءِ عبيد عبدُوا الله من أجل نُفُوسهم لم تأخذهم هَيْبَة عَظمته وسلطان كبريائه فيركض بهم فِي ميدان الطَّاعَة ركضا وميدان الْهَرَب عَن مساخطه ركضا إجلالا لرؤية الله تَعَالَى إيَّاهُم على الْأَحْوَال وتوخيا لمحابه وتلذذا لعبودته فَإِذا اجْتمعت هَذِه الطَّائِفَة الَّتِي للشَّيْء عِنْدهم قدر فِي السّفر وَانْفَرَدَ كل وَاحِد مِنْهُم لطعامه كَانَت فِي ذَلِك وَحْشَة ونزعت الْبركَة وَفِيه ذهَاب الألفة وَظُهُور الْفرْقَة والتصور بِصُورَة أهل الْبُخْل والدناءة وَإِذا أنْفق أحدهم على الْجَمَاعَة لم يقم بذلك وَعجز عَنهُ فالسبيل فِي ذَلِك مَا ندبهم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيْهِ أَن يجمعوا نفقاتهم إِلَى أحدهم حَتَّى ينفقها عَلَيْهِم فَيكون أطيب لنفوسهم وَأحسن لأخلاقهم فَكل وَاحِد إِنَّمَا خرج من يَده مِقْدَار كِفَايَته وَهُوَ طيب النَّفس بذلك وَلَا يحتشم من الْأكل وَلَو أنْفق وَاحِد وَاحِد يحتشم أحدهم من صَاحبه ويستحيي ويثقل عَلَيْهِ حَتَّى تَجِيء نوبَته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015