قدر الْمَقَادِير قبل الْخلق بِخَمْسِينَ ألف سنة فَلَيْسَ شَيْء من الْخلق سبق الْقدر لأَنهم خلقُوا بعد الْقدر وَإِنَّمَا قدر الْخلق ليخلق وَيظْهر ملكه وربوبيته فيحمدوه ويعبدوه ويضيفوا الْأَشْيَاء إِلَى وَليهَا وصانعها كَمَا رُوِيَ أَن الله تَعَالَى قَالَ (مَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس لحَاجَة كَانَت بِي إِلَيْهِ وَلَكِن لأبين بِهِ قدرتي ولأعرف بِهِ الناظرين نَفسِي ولينظروا فِي ملكي وتدبير حكمتي وليدين الْخَلَائق كلهَا لعزتي ويسبح الْخلق بحمدي ولتعنو الْوُجُوه كلهَا لوجهي)
فَمن غفل عَن الله تَعَالَى وَنظر إِلَى الْأَشْيَاء بِعَين الْغَفْلَة فيعجب بهَا وَتصير فتْنَة عَلَيْهِ وَمن شَرط الله تَعَالَى أَن يعتبروا وعبروا عَن الْأَشْيَاء إِلَى خَالِقهَا فَإِذا لم يعتبروا وبقوا مَعَ الْأَشْيَاء عجبا وفتنة فسد ذَلِك الشَّيْء عَلَيْهِم كي ينبئهم ويعير عَلَيْهِم عجبهم وَقد تقدم شَرط الْقدر على الْخلق فَلَو كَانَ شَيْء سَابق الْقدر لسبقته الْعين لقُرْبه وجواره لَهُ وَلَا يسْبقهُ لِأَن الْقدر قبل أَن يخلق الْخلق
وَقَوله (فَإِذا استغسلتم فَاغْسِلُوا) هَكَذَا جرت السّنة أَن العاين يتَوَضَّأ أَو يغْتَسل ليغسل بِتِلْكَ الغسالة هَذَا المعان فيخف مَا بِهِ وينحل من ثقله كَمَا ينْحل صَاحب الأخذة من سحره
فَإِن أَخذه المعان من قبل الْحق فَإِن الْحق عز وَجل يَقْتَضِي أَن ينسبوا الْأَشْيَاء إِلَى وَليهَا ومالكها وَلَا يرضى أَن تُضَاف إِلَى غير خَالِقهَا فَإِذا أخذت الْأَشْيَاء عَن الْأَسْبَاب فِي حَالَة الْغَفْلَة عَن الله تَعَالَى وَالشّرط النّظر إِلَى صنع الله تَعَالَى ولطفه فِي صنعه وبره بِالْعَبدِ وَعطفه عَلَيْهِ فَاقْتضى الْحق تَعَالَى شكره لوَلِيّ الْخلق فَإِذا نظرُوا إِلَى الْأَشْيَاء فَأُعْجِبُوا بهَا نَاشد الْحق وَليهَا فِي إِفْسَاد مَا بِهِ أعجبوا لِأَن تِلْكَ النِّعْمَة