يكون مَعَ هذَيْن حَافِظًا لِقَلْبِهِ قد رَاض نَفسه وَمَاتَتْ شهواته فَمَا ورد عَلَيْهِ من أَحْكَام الله تَعَالَى رَضِي بهَا واهتشت نَفسه إِلَى قبُولهَا حبا لَهُ وإعظاما وَمَا أعطي من الدُّنْيَا قنع بهَا وَكَانَ كالخازن الَّذِي يُعْطِيهِ مَوْلَاهُ شَيْئا يأتمنه عَلَيْهِ فَهُوَ يمْسِكهَا بالأمانة يرقب مَتى يُومِئ إِلَيْهِ حَتَّى يبذلها من غير تلجلج وَمَا ورد عَلَيْهِ من أمره وَنَهْيه أنفذ من غير أَن يلْتَفت إِلَى عوض عَنْهَا فِي عَاجل أَو ثَوَاب فِي آجل
فَهَؤُلَاءِ هم السَّابِقُونَ راضوا أنفسهم وفطموها عَن الشَّهَوَات فَلَمَّا جَاءَهُم أَمر الله وَأَحْكَامه انقادوا وذلت نُفُوسهم لأَمره إعظاما لجلاله ذلة العبيد الَّذين قد استسلموا لسيدهم وهم المبهوتون فِي طَاعَة الله تَعَالَى لَا يفرقون بَين أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قد اسْتَوَت عِنْدهم لأَنهم لله وَبِاللَّهِ لَا يخْطر على بالهم عِنْد تصرفهم فِي الْأُمُور اخْتِيَار الْأُمُور وَالْأَحْوَال فَإِن كَانَ فِي مرمة نفس أَو إصْلَاح معاش فَهُوَ لله وَإِن كَانَ فِي أَمر الْآخِرَة فَهُوَ لله تَعَالَى فأعمارهم غير معطلة كلهَا عبَادَة لمليكهم عبدُوا الله بنومهم كَمَا عبدوه بسهرهم وبأكلهم كَمَا عبدوه بجوعهم وعبدوه بتناول الدُّنْيَا وَأَخذهَا كَمَا عبدوه بِتَرْكِهَا إِنَّمَا نظرهم إِلَى تَدْبيره لَهُم فعلى أَي حَال سَار بهم إِلَيْهِ سَارُوا طيبَة بذلك نُفُوسهم حَسَنَة أَخْلَاقهم فَإِنَّهُم نظرُوا إِلَى الْمُقْتَصِدِينَ الَّذين لم يرْضوا أنفسهم وَلَا فطموها عَن الشَّهَوَات إِلَّا أَن خوف الْوَعيد حَال بَين نُفُوسهم وَبَين الْمعاصِي فحجرهم عَن أَعمال أهل الهلكى وَحَملهمْ على أَعمال أهل النوال لما أطمعوا من الثَّوَاب كَفعل الدَّوَابّ تتلكأ وتبطئ فِي السّير حَتَّى إِذا أحست بالدنو من الْمنزل اسْتَقَلت الحمولة وجدت للسير تحننا إِلَى الاوازي أَو أحست بِالسَّوْطِ من راكبها فتهتاج فِي السّير مجدا فَهَؤُلَاءِ قد اسْتَحْيوا من أَن يكون شَبِيها بهم وَأَن تكون عِبَادَتهم طَمَعا فِي الثَّوَاب أَو رهبة من الْعقَاب فَإِن هَؤُلَاءِ انقادوا لله تَعَالَى من أجل نُفُوسهم وَلَيْسَ هَذَا بخالص العبودة إِنَّمَا خَالص