هَذَا شَأْن ديدان الْقُرَّاء
وَأما الصادقون فهم قوم تَابُوا صدقا فَتَابَ الله عَلَيْهِم فَأَعْطَاهُمْ نورا قذفه فِي قُلُوبهم فشرح صُدُورهمْ من الَّذِي أشرق فِي قُلُوبهم وَبرد وهج حر نُفُوسهم وَسكن غليان شهواتهم فَأَقْبَلُوا على تَصْحِيح أُمُورهم فِيمَا بَينهم وَبَين الله تَعَالَى وَعَن التخلي عَن كل مَا نهى الله عَنهُ دق أَو جلّ وَجَاهدُوا أنفسهم فِي ذَات الله تَعَالَى حق جهاده فَلم يزل هَذَا دأب أحدهم يُجَاهد نَفسه فِي شَأْن الاسْتقَامَة لله تَعَالَى على سَبِيل الطَّاعَة ويأتيه المدد من الله تَعَالَى نورا على نور حَتَّى قوي على ترك كثير من الْحَلَال تَحَصُّنًا مِمَّا نهى الله تَعَالَى عَنهُ حَتَّى دق نظره فِي الْأَشْيَاء وورعه عَن دَقِيق الْأُمُور الَّتِي يخَاف مِنْهَا غَدا فَثَبت على ذَلِك يَرْجُو الثَّوَاب وَيخَاف الْعقَاب وَيطْلب الْخَلَاص فِي الْإِتْيَان بِمَا امْر والتناهي عَن كل مَا نهى وَيعلم أَنه لَا يُثَاب غَدا إِلَّا على الصدْق مَشْغُول بِنَفسِهِ لَا يتفرغ لغيره فيعيبه أَو يزري عَلَيْهِ فِي ريبه قد أوثقه خَوفه من الله تَعَالَى وثاقا شغله عَن جَمِيع الْخلق برعاية هَذِه الْجَوَارِح السَّبع الَّتِي وكل برعايتهن وَأخذ عَلَيْهِ الْعَهْد والميثاق فِيهِنَّ يطْلب إِلَى الله تَعَالَى فكاكهن مِمَّا انْفَلق بِهِ من الْأَعْمَال السَّيئَة والعون على رعايته إياهن فِيمَا بَقِي من عمره المأتم نَهَاره وَالنوح ليله وَالصَّلَاة نحلته وَالصَّوْم عَادَته وكل مَا شغله عَن أمره فالهرب مِنْهُ عَزِيمَة قد تحصن من الْخلق بعزلته وباينهم بهمته مبتهلا إِلَى الله تَعَالَى فِي طلب الْمَغْفِرَة لجماعته وَأهل مِلَّته وَهُوَ على مثل هَذَا الْحَال يطْلب معيشته ويقوت عِيَاله وَيحسن إِلَيْهِم ويعطف عَلَيْهِم فَإِن كَانَ عِنْده سَعَة أنْفق من سعته وَألا يجْرِي من وُجُوه المكاسب أسلمها وأحمدها عُقبى وجد فِيهِ واجتهد حفظا للجوارح فِي طلبَهَا وَأَدَاء الْأَمَانَة وإنصاف الْخلق فِي تنَاولهَا واجتزاء باليسير لنَفسِهِ وسعة على عِيَاله وعفة عَن المطامع الخبيثة ونزاهة عَن شُبُهَات الدُّنْيَا والمكاسب الرَّديئَة وصيانة لوجهه وَدينه عَن المعايش الشائنة لدينِهِ وَكَانَ فِي طلبَهَا كالمضطر