من الذّبْح فاتسع صدر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لذبح وَلَده وَصدر الْغُلَام عَلَيْهِ السَّلَام لتسليم نَفسه لله تَعَالَى
فالحليم من يسلم النَّفس لرَبه عز وَجل عبودة فِي جَمِيع مَا يَأْمر وَفِيمَا يحكم عَلَيْهِ فِي الْأَحْوَال والحلم وَالْملح وَاحِد كَمَا لَا تطيب الْأَطْعِمَة إِلَّا بالملح لَا تطيب النَّفس إِلَّا بالحلم
قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه الْحلم كظم الغيظ وملاك النَّفس وَفِي الْخَبَر أَن أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أحلم النَّاس وأصبره وأكظمه لغيظه
قَوْله لَا حَلِيم إِلَّا ذُو عَثْرَة أَي لَا يَتَّسِع الرجل لما يرى من الْخلق إِلَّا بعد مَا يعثر فَإِذا رأى عثرته رحم الْخلق واتسع لَهُم وَاتَّقَى أَن يلوم أحدا بِعَيْب أَو يعيره بذنب
وَكَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يشدد على الْخَطَّائِينَ وَلَا يجالسهم وَقَالَ يَا رب لَا تغْفر للخطائين لشدَّة الْغيرَة لله تَعَالَى وَكَثْرَة الحنق عَلَيْهِم فَلَمَّا عثر كَانَ ينظر إِلَى أغمص مجْلِس فِي بني إِسْرَائِيل وَيقْعد مَعَهم وَيَقُول مِسْكين بَين ظهراني مَسَاكِين رب اغْفِر للخطائين كي تغْفر لداود مَعَهم
وَقَوله لَا حَكِيم إِلَّا ذُو تجربة فالعقل يدل على الرشد وَالْحكمَة نور يكْشف عَن مَكْنُون الْأُمُور وَلَا تستكمل الْحِكْمَة مَعَ كشف الغطاء وإطلاعه بِالْقَلْبِ حَتَّى يطالع الْأُمُور بِمُبَاشَرَة النَّفس فَإِن كل شَيْء تَجدهُ الْقُلُوب فمباشرة النَّفس مَعَ الْقُلُوب أثبت وآكد فالحكيم قد انْكَشَفَ لَهُ الغطاء فَيرى عواقب الْأُمُور وزينها وشينها فَإِذا رأى ذَلِك بالجوارح كَانَ ذَلِك عيَانًا لَا يرفع وَلَا ينسى فَبعد التجارب تستكمل الْحِكْمَة لِأَنَّهَا كَانَت قبل التجربة مُعَاينَة الْقلب فَصَارَت مُعَاينَة الْعين وَكَانَ ذَلِك علم الْيَقِين فَصَارَ الْآن عين الْيَقِين وَلِهَذَا قيل إِن الْعقل بالتجارب