وَقَوله مَا ترددت فِي شَيْء ترددي عَن قبض روح عَبدِي فَإِن الْمَوْت خلق فظيع مُنكر لَا بُد للأحباب أَن يذوقوه وَأمر ثقيل مر لَا يَخْلُو من أَن يكرهوه وَقد علم الله تَعَالَى أَنه يشْتَد عَلَيْهِم ويتأذون بِهِ فتردد فِي فعله لكَرَاهَة مساءتهم وَقد قضى الله تَعَالَى على نَفسه حتما أَنه يَفْعَله فمشيئته لموتهم تردد بَين الْحق وَالرَّحْمَة فَالْحق تَعَالَى ينفذ الْمَوْت وَالرَّحْمَة تَدْفَعهُ والمشيئة مترددة بَينهمَا مرّة إِلَى الرَّحْمَة وَمرَّة إِلَى الْحق فَمن كَانَ أَيَّام الْحَيَاة اهتش إِلَى ذكر الله شوقا إِلَيْهِ فغليان الشوق فِي قلبه مراجل وَهَذَا الشوق فِي الْقلب بِالرَّحْمَةِ فَتلك الرَّحْمَة تتحرك لَهُ عِنْد كل نائبة وَأعظم نوائبه الْمَوْت يُرِيد خلاصه وَالْحق من ناحيته يَقْتَضِيهِ أَن ينفذ الْمَوْت عَلَيْهِ والمشيئة من الله تَعَالَى مترددة فِيمَا بَينهمَا مرّة إِلَى هَذَا وَمرَّة إِلَى ذَلِك وَلَا بُد من الْمَوْت فَأَما غير هَؤُلَاءِ فَلَيْسَ لَهُم هَذَا الْحَال فَإِذا جَاءَت الْمَشِيئَة مَعَ الْحق نفذ أمره قَالَ تَعَالَى وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد
فالحائد من الْمَوْت أَيَّام الْحَيَاة يَأْخُذهُ الْحق بتنفيذ الْمَوْت وَلَيْسَ للرحمة حَرَكَة فِي الدّفع عَنهُ لِأَن الْمَشِيئَة لم تَتَرَدَّد بَينهمَا فنفذ
وَقَوله إِنِّي لأغضب لَهُم كَمَا يغْضب اللَّيْث الْحَرْب فالليث كريم لَا يُؤْذِي حَتَّى يجترأ عَلَيْهِ فاذا اجترىء عَلَيْهِ اصطفه حَرْب فَكسر وَدَمرَ على من ظفر بِهِ فَمن آذي ولي الله تَعَالَى فَإِنَّمَا يجترىء على الله تَعَالَى يُرِيد أَن يحاربه فَيَأْخُذ مِنْهُ مَا إصطفاه لنَفسِهِ فَيفْسد شَأْنه ويهدم تَرْبِيَته وبنيانه فَإِن الْوَلِيّ إِذا بلغ غَايَة الصدْق فِي السّير إِلَى الله تَعَالَى ومجاهدة النَّفس وفطم نَفسه عَن سيىء الْأَخْلَاق وَقد انْقَطَعت حيلته وَبَقِي بَين يَدَيْهِ ينْتَظر رَحمته انتخبه الله تَعَالَى للولاية ووكل