بَيَان المقربين السَّابِقين ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل قرن من أمتِي السَّابِقُونَ
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس كَالْإِبِلِ الْمِائَة تَمْثِيل لِأَن الْإِبِل الْمِائَة هِيَ سَائِمَة ترعى مرعاها بهواها لَيْسَ على ظُهُورهَا حمولة وَلَا فِي أنفها أزمة ولاخطم فَهِيَ فِي استبدادها تعْمل مَا هويت فَإِن لم يكن لَهَا رَاع فكم من متردية فِي جرف هار وَكم من فريسة بَين أَنْيَاب السبَاع وَكم من آكِلَة دفلى تَمُوت آكلته وَآخر تَمُوت عطشا وَآخر تَمُوت جربا فالراعي يرعاهم المرعى ويجنبهم الدفلى ويذود عَنْهُم السبَاع ويعدل بهم عَن الجرف ويوردهم الْمِيَاه العذبة وَكَذَلِكَ النَّاس هم بِهَذِهِ الصّفة فالراحلة هُوَ الَّذِي رَحل نَفسه وراضها وجنبها سموم الدُّنْيَا وآفاتها وَقوم أخلاقها حَتَّى استقامت لله تَعَالَى فَصَارَت رَاحِلَة تركبها حُقُوق الله تَعَالَى فتنقاد لَهَا وَتحمل أثقال الْحُقُوق فتسير بهَا إِلَى الله تَعَالَى فَإِذا رَحل نَفسه وارتحل إِلَى الله تَعَالَى ثمَّ صَار رَاعيا يرْعَى عباده فيصلح للرعاية يجنبهم الْآفَات ويهديهم للهدايات ويوردهم الْمِيَاه العذبة وَهُوَ الْعلم الصافي بِلَا تَخْلِيط وَلَا كدورة ويعرفهم خداع الْعَدو ومراصده ومكامن النَّفس وَهُوَ فِي ذَلِك يحب أَن تكون أُمُورهم على وفَاق مَا بَين الله تَعَالَى لَهُم وعَلى محاب الله تَعَالَى وَلَا يكون كَذَلِك فَرُبمَا انتشرت الْإِبِل عَلَيْهِ فيضطرب فِي ذَلِك ويتلوى وَيقبل وَيُدبر احتيالا وتكلفا ويضيق صَدره بأمورهم فَهُوَ فِي جهد من ذَلِك لما يحب أَن تستوي أُمُورهم وتستقيم سيرتهم ويأبى الله إِلَّا أَن يكون كَمَا قدر حَتَّى إِذا فتح عَلَيْهِ بَاب النجباء الْكِرَام فأبصر