لَهُم مَا تحب لنَفسك وَلَا يُقَوي على ذَلِك إِلَّا عبد سقط عَن قلبه منزلَة نَفسه ومنزل دُنْيَاهُ وَلها عَنْهُمَا وشغف بمولاه فنبه من رقدة الغافلين فانتبه وأشرق فِي صَدره النُّور فَوقف بِقَلْبِه على جلال الله تَعَالَى وعظمته وعَلى جماله وبهائه وعَلى كبريائه وسلطانه فَصَارَت دُنْيَاهُ عِنْده أقل من جنَاح بعوضة وَصَارَت نَفسه عِنْده قَبْضَة من تُرَاب وَردت على قلبه من محبَّة الله تَعَالَى والحلاوة الَّتِي وجد لَهَا مَا أسكرته وألهته عَن محبَّة نَفسه ودنياه وَمَا يُؤمن بهَا إِلَّا كل مُؤمن قد إمتحن الله قلبه للْإيمَان وَقَلِيل مَا هم
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (الله تَعَالَى يَا جبرئيل انسخ من قلب عَبدِي الْمُؤمن الْحَلَاوَة الَّتِي كَانَ يجدهَا لي) قَالَ فَيصير العَبْد الْمُؤمن والها طَالبا للَّذي كَانَ تعاهد من نَفسه وَنزلت بِهِ مُصِيبَة لم ينزل بِهِ مثلهَا قطّ فَإِذا نظر الله تَعَالَى إِلَيْهِ على تِلْكَ الْحَال قَالَ يَا جبرئيل (رد إِلَى قلب عَبدِي مَا نسخت مِنْهُ فقد إبتليته فَوَجَدته صَادِقا وسأمده من قبلي بِزِيَادَة)
فَهَذِهِ حلاوة الْمحبَّة من نالها فقد غلب على عقله وَصَارَت جَمِيع الْأَشْيَاء خولا لَهَا كمن وجد درهما فَأَحبهُ على قدره ثمَّ وجد دِينَارا فَأَحبهُ على قدره ثمَّ وجد جوهرا لَا يدْرِي مَا قِيمَته قد رق فِي عينه الدِّرْهَم وَالدِّينَار لاستغنائه بِهِ وانتفاعه بذلك أَكثر من الِاسْتِغْنَاء وَالِانْتِفَاع بهما وَإِذا فتح الله قلب الْمُؤمن وَنور صَدره وعرفه من صِفَاته مَا جَهله قبل ذَلِك علم أَن الْخَيْر كُله بيد الله تَعَالَى والنفع مِنْهُ كَانَ غناهُ بِاللَّه تَعَالَى أَكثر ورجاؤه مِنْهُ أعظم من الدِّينَار وَالدِّرْهَم فَإِن أحبه حبا يلهيه عَن حب الدِّرْهَم وَالدِّينَار فَلَيْسَ بعجيب بل هُوَ