وَإِذا سَارَتْ استمرت وَإِذا حركت أَعْنَقت فصاحبها بأحوالها معجب وَبهَا ضنين لَا يملكهُ أحدا وَلَا يُطلق لغيره عَلَيْهِ يدا حَتَّى يتَحَمَّل أثقال صَاحبه فَيكون من نجائبه فَكَانَت كإحدى الْإِبِل الْمِائَة سَائِمَة ترعي فِي مظانها وَتذهب فِي مهواها يَمِينا وَشمَالًا لَا ينْتَفع بهَا برسل وَلَا حمولة فالواحد مِنْهَا ركُوبه وسائرها للْأَكْل قَالَ الله تَعَالَى وذللناها لَهُم فَمِنْهَا ركوبهم وَمِنْهَا يَأْكُلُون فَالَّذِي ذلل للرُّكُوب صَارَت رَاحِلَة وسائرها لحم
فَكَذَلِك النَّاس انتشروا على بسيط الأَرْض فربتهم نعم الْخَالِق وأظلتهم سحائب رَحمته واكتنفتهم رأفته وتولتهم نعْمَته ومنته فَإِذا ألجمت أحدهم بلجام الْحق أَو زممته بزمام الصَّبْر هز رَأسه ولوى عُنُقه فَرمى باللجام وجاذب بالزمام فَمر شاردا وَرمى بحمولته فَمن الْمِائَة لَا تَجِد فِيهَا رَاحِلَة وَاحِدَة عز أَن تَجِد نفسا سَمْحَة سخية منقادة مطيعة لِرَبِّهَا قد أَلْقَت بِيَدِهَا سلما وانخشعت لِعَظَمَة رَبهَا ووطنت نَفسهَا على العبودة فَلَا يزَال فِي عطف الله تَعَالَى وَرَحمته وتأييده ونصرته حَتَّى يصير ذَا حَظّ من ربه فبحظه مِنْهُ تنجب وتزكو نَفسه وتطيب أخلاقه وينشرح صَدره وتلين عروقه ويرطب قلبه ويألف ربه فَإِن رَحْله انْقَادَ وَإِن سيره سَار وَإِن عطفه انعطف وَإِن كبح بِهِ وقف وَإِن بَعثه انْبَعَثَ وَإِن حركه هملج أَو جمز وَإِن أوقره اسْتمرّ وان أنصبه احْتمل وَإِن خلى زمامه تفويضا إِلَيْهِ استقام فَهُوَ لرَبه أليف وربه بِهِ ضنين