لَا يبرحون عَنْهَا فَإِذا كَانَت الْإِقَامَة بِالْبدنِ قيل مدن وَإِذا كَانَ بِالْقَلْبِ بَين يَدي الله تَعَالَى قيل نَدم فَقدم الْمِيم وَأخر النُّون هُنَاكَ وَقدم النُّون وَأخر الْمِيم هَهُنَا وَهُوَ ذَلِك الْعَزْم الَّذِي يعزم للإقامة بَين يَدي الله تَعَالَى مُطيعًا وَالتَّوْبَة الرّجْعَة إِلَى الله تَعَالَى وَهُوَ أَن يُعْطي من جوارحه لله تَعَالَى مَا يَأْمر بِهِ حَتَّى يُقيم العبودة الَّتِي لأَجلهَا خلق فَإِذا أذْنب فقد منع الله تَعَالَى من جوارحه العبودة فَلَيْسَ بمطيع والمؤمنون فِي أَحْوَالهم على ضَرْبَيْنِ
ضرب مِنْهُم سكارى وَقد أسكرتهم شهوات نُفُوسهم عَن الله تَعَالَى وحالت تِلْكَ الشَّهَوَات بَين قُلُوبهم وَبَين الْعقل فَلَا يبصرون قبح مَا يأْتونَ لِأَن مَعْدن الْعقل فِي الدِّمَاغ وعَلى الْقلب تَدْبيره فبذلك النُّور الَّذِي على الْقلب من الْعقل يبصر محَاسِن الْأُمُور ومشانيها فَجَاءَت هَذِه الشَّهَوَات فَسدتْ طَرِيق الْعقل فَسَكِرَ وَضرب آخر قد أفاقوا من سكرتهم بِعَمَل النُّور الْوَارِد على قُلُوبهم فَأَبْصرُوا الْوَعْد والوعيد فَذهب سد الطَّرِيق فهم على مُعَاينَة من الْجنَّة وَالنَّار إِلَّا أَنهم نيام عَن الله تَعَالَى وهم المقتصدون أهل الاسْتقَامَة مطيعون لله تَعَالَى حافظون لحدوده وَلَكِن لنومته عَن الله إِن أطَاع وَعمل أَعمال الْبر استكثر ذَاك من نَفسه وَإِن تورع عَن الذَّنب كبر فِي صَدره فعله وَيرى أَنه عمل شَيْئا عَظِيما وَلم ير أَنه غريق فِي نعم الله تَعَالَى ومننه وتتابع إحسانه فَإِذا أَفَاق الضَّرْب الأول من سكرته وانتبه الآخر من نومته فر إِلَى الله رَاجعا إِلَى الْكَوْن بَين يَدَيْهِ فعزم على أَن لَا يبرح فَذَلِك الْعَزْم هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تَوْبَة لِأَنَّهُ بَاطِن فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلم يظهره بِلِسَانِهِ وَالِاسْتِغْفَار سُؤال العَبْد ربه أَن يستره بعد ذَلِك فانه لما برح من بَين يَدَيْهِ وَترك مقَامه فأخل بمركزه انحطت دَرَجَته وَبعد من ربه وَخرج من ستره وتعرى فَلَمَّا رَجَعَ بندمه إِلَيْهِ عَارِيا استحيى مِنْهُ وَمن خليقته فَأمر أَن يسْأَل ربه الْمَغْفِرَة أَي الغطاء والستر فاذا قَالَ اغْفِر لي أَي غطني واسترني فَانِي خرجت من