أنفسهم فَأَي عمل عملوه من دنيا وآخرة فحظوظ نُفُوسهم فِيهَا قَائِمَة لِأَن شهواتهم عاملة تَأْخُذ بحظها فَإِذا اجْتمع عَلَيْهِم أَمْرَانِ أَحدهمَا للدنيا وَالْآخر للآخرة أَو حقان أَحدهمَا لله تَعَالَى وَالْآخر للنَّاس فشهواتهم عاملة فِي أَمر دنياهم منزوعة فِي أَمر آخرتهم فَمن نصيحتهم لله تَعَالَى أَن يؤثروا الْأَمر الَّذِي لَا شَهْوَة لنفوسهم فِيهِ ويؤخروا مَا فِيهِ حَظّ للنَّفس
كَمَا يرْوى عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله إِن بني أبي سَلمَة فِي حجري وَلَيْسَ لَهُم شَيْء إِلَّا مَا أنفقت عَلَيْهِ أفلي أجر إِن أنفقت عَلَيْهِم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنفقي عَلَيْهِم فَإِن لَك أجر مَا أنفقت عَلَيْهِم
فَإِذن المقتصد إِذا صلى أَو قَرَأَ الْقُرْآن أَو عمل شَيْئا من هَذِه الْأَعْمَال عدهَا آخِرَة وَإِذا أكل أَو شرب أَو نَام أَو جَامع عدهَا دنيا لِأَنَّهُ لَا يقدر أَن يخلصها حَتَّى يصفو من الشَّهْوَة النفسية فافترق أمراه دنيا وآخرة فَمَا كَانَ من أَمر الْآخِرَة أمكنه تصفيته على حسب طاقته وَمَا كَانَ من أَمر دُنْيَاهُ فالشهوة غالبة عَلَيْهِ قاهرة لَهُ فَمن النصح لَهُ أَن يبْدَأ بِأَمْر الْآخِرَة وَأما المقرب فقد صَارَت شَهْوَته منية فَالْفرق بَين الشَّهْوَة والمنية أَن النَّفس صَارَت حَيَّة بشهوتها فَإِذا عرض لَهَا مَا تلتذ بِهِ اهتشت النَّفس بالعجلة إِلَيْهِ حرصا وشرها فَتلك شَهْوَة والمنية لما مَاتَت شَهْوَة النَّفس حييّ الْقلب بِاللَّه تَعَالَى فَإِذا عرض لَهَا مَا تلتذ بِهِ بِاللَّه تَعَالَى لحظت إِلَى الله تَعَالَى وراقبت تَدْبيره فَإِن أَعْطَيْت أخذت وَإِن منعت قنعت فَتلك منية فالمقرب منيته فِيمَا دبر الله تَعَالَى لَهُ يراقب مَا يَبْدُو لَهُ من غيب الملكوت فيتلقاه بالرضاء والذلة والانقياد وَالْقَبُول عبودة لله تَعَالَى ومسكنة فَصَارَت الْأُمُور كلهَا آخِرَة عِنْده والحقوق كلهَا حُقُوق الله تَعَالَى فالغالب على أُمُور المقرب ذكر الله تَعَالَى وَالْغَالِب على أُمُور المقتصد ذكر النَّفس